ذات يوم وصلتني رسالة الكترونية مجهولة المصدر والهوية تبلغني بعرض فيلم "الحياة وردية" الذي يحكي سيرة المطربة الفرنسية الشهيرة اديت بياف، واستوقفني في الدعوة اكثر من نقطة رأيتها جديرة بالاهتمام، اولها السعر المبالغ فيه لقيمة تذكرة دخول الفيلم، الذي تزامن عرضه في مصر مع فوز بطلته ماريون كوثيلار باوسكار افضل ممثلة للدور الرئيسي، وثانيها تأكيد الجهة المجهولة ان قاعة العرض مهيأة لاستقبال الشخصيات ال VIP وضيوفهم وأفاضت كثيرا في تفاصيل رأتها حيوية كالطابق الذي تقع فيه القاعة وكيفية الوصول للمداخل.. والجراج.. الخ. لحظتها استعدت "البروباجندا" الهائلة التي واكبت افتتاح عدد من الشاشات التي قيل وقتها انها "سوبر لوكس" وانها مزودة بجميع الكماليات "Full Option" "يعني" وكما يحدث في مثل هذه المناسبات وجهت الدعوة لعدد من الفنانين المغمورين باستثناء النجم عادل امام ليشيدوا بالفكرة، والمشروع، بوصفه اضافة للحياة في مصر ونقلة حضارية ليس لها مثيل في التاريخ المصري "!" واستثناء ايضا النجم عادل امام الذي بدأ حديثه السريع بانه "مع سينما الغلابة" وارجع السبب في احتفائه بالتجربة والمشروع الي انه يبرهن بالدليل القاطع ان الاستثمار في السينما مربح للغاية، اتسمت كلمات بقية الفنانين المغمورين بالسطحية، والتفاهة والفرحة الساذجة بانهم سيشاهدون الفيلم "علي كرسي فوتيه" ربما يعجل بنومهم "!" وان المتعة ستكتمل اثناء الفرجة، ليس لانهم سيلتهمون "البوب كورن"- الفشار- بل لان بمقدورهم في ظل هذه الرفاهية غير المسبوقة ان يختاروا ما يحلو لهم من اطعمة شهية!! يومها تابعت هذه الحملة الدعائية المنظمة وتوجست خيفة، بعدما اعتراني احساس قاتل بان شيئا اخر غير الفرحة علي السينما هو الهدف من مثل هذه المشاريع، وايقنت ان طقوس الفرجة الحقيقية الي زوال خصوصا عندما قيل في الدعاية ان بمقدورك حجز احدي القاعات "السوبر لوكس" لتشاهد انت واصدقاءك الفيلم الذي تريدون في جو من الخصوصية الكاملة! انتهي ما يمكن ان اطلق عليه بلغة السينما "الفلاش باك" واذ بالناقد الكبير سمير فريد يخصص مقاله في الزميلة "الجمهورية" يوم الاربعاء الماضي للتحذير من ظاهرة لم يكن مبالغا عندما وصفها بانها الاغرب والتي ليس لها مثيل في العالم تتمثل في ان احدي دور العرض تقدم للجمهور المصري فيلمي "الحياة وردية" الذي اشرت اليه عقب وصول الرسالة الالكترونية المجهولة وايضا فيلم "سيكون هناك دم" الذي فاز بطله دانييل داي لويس باوسكار افضل ممثل للدور الرئيسي، وفجر مفاجأة مدوية بتأكيده ان هذين الفيلمين الحاصلين علي الاوسكار يتعذر مشاهدتهما الا للقادرين علي دفع تذكرة تصل قيمتها الي 75 جنيهاا للشخص الواحد "!" واصفا اياها بانها التذكرة الاغلي في كل الدنيا "!" واكد وهذه هي القنبلة الحقيقية في رأيي، ان "الحياة وردية" و"سيكون هناك دم" الحاصلان علي الاوسكار عرضا في نسخة واحدة فقط، وليس خمس كما جرت العادة في الافلام الاجنبية بما يوحي وكأن هناك مؤامرة تم الاتفاق عليها بين الموزع وصاحب دار العرض، وربما الاثنان شخص واحد للامتناع عن استيراد بقية النسخ حتي يظل الفيلمان حكرا علي الدار التي تعرضهما ب 75 جنيها ولا تصبح هناك فرصة للجمهور العادي في مشاهدتهما بالسعر الحالي للتذاكر، والذي يتراوح بين عشرين وخمس وعشرين جنيها للفيلم الاجنبي، وهي نقطة في غاية الخطورة وتستدعي تدخلا حاسما من جانب القائمين علي غرفة صناعة السينما، فاذا كان الموزعون قد اقاموا الدنيا ولم يقعدوها حتي اليوم للمطالبة بزيادة عدد نسخ الفيلم الاجنبي من خمس الي ثماني، وتبنت غرفة صناعة السينما، برئاسة منيب شافعي ونائبيه محمد حسن رمزي وفاروق صبري هذا المطلب فكيف لا نطالب نحن، وعلي الغرفة نفسها ان تتبني مطلبنا، الا يصبح من حق الموزع الاكتفاء باستيراد نسخة واحدة فقط ليمارس علينا احتكارا هو الاول من نوعه في العالم، حيث تصبح مجبرا علي دفع ال 75 جنيها او تحرم من مشاهدة الفيلم في اي دار عرض اخري! لقد وصف ناقدنا الكبير ما حدث بانها "رأسمالية بدائية" او "بدائية ما قبل الرأسمالية" منوها الي ان الاقتصاد الحر او رأسمالية السوق وقوانين العرض والطلب تتعارض مع ما حدث في هذه الدار، حيث كل شيء في العالم يخضع لرقابة شعبية ان غابت الحكومة الرسمية واختتم مقاله الخطير بتساؤل له مغزاة بقوله: اذاكانت شركات توزيع الافلام الاجنبية لا تهتم بالجمهور المصري سواء لاسباب عنصرية او لان السوق المصري صغير مقارنة باسواق اخري فمن جمهور السينما في مصر غير حكومته، اي وزارات الثقافة والصناعة وقطاع الاعمال ومن لهذا الجمهور غير المؤسسات المسماة شعبية مثل غرف صناعة السينما ونقابة السينمائيين؟ ولا اظن ان جهة من التي اشار اليها الناقد الكبير ستأبه بالقضية او تعني بالرد او التدخل لكن الفرصة قائمة لان تتحرك مؤسسات شعبية واهلية حقيقية كجمعيات نقاد السينما المصريين والتسجيليين والفيلم وغيرها وتتدخل لاجبار هذه المؤسسات الرسمية وايضا التي تعمل تحت عباءة الحكومة، كغرفة صناعة السينما علي انقاذ المواطن ورجل الشارع من فتنة لعن الله من ايقظها، فالامر المؤكد ان احتكارا كهذا سيشجع بالفعل علي "القرصنة" بضمير هاديء ومستريح، فيما يشبه الانتقام من الموزع وصاحب دار العرض والدولة مثلما سيؤجج مشاعر الكراهية والحقد والبغضاء بين الطبقات، حين تري طبقة عريضة من المجتمع انها غير قادرة، بسبب قرار فردي جاهل وغير مسئول علي ارتياد دار عرض وليس مسرحا خاصا او ملهي ليليا، لانه اصبح ملكا لطبقة بعينها لا ترضي للرعاع بالتواجد معهم في قاعة واحدة، وان ثمة طبقة محظوظة معهم في قاعة واحدة، وان ثمة طبقة محظوظة تنفرد بافلام بعينها، بعد وجبات طعام بعينها ايضا مثل "السيمون فيميه" و"لحم النعام" لا يعرفها الفقراء والبسطاء، وكأن هناك مؤامرة للايقاع بين افراد هذا الشعب او كأن نبوءة شاعرنا الكبير احمد فؤاد نجم في قصيدته الشهيرة "التحالف" قد فرضت نفسها من جديد عندما قال: "يعيش اهل بلدي وبينهم مفيش.. تعارف يخلي التحالف يعيش.. تعيش كل طايفة من التانية خايفة وتنزل ستاير بداير وشيش"!