حين تحزبك أمور الحرب والسلام وتحقيق الديمقراطية والاستيلاء علي الميراث، وتفشل جهودك في تأديب الأصدقاء وإرضاء الأعداء وتصديق دعاية الأحزاب، لست في حاجة لأن تفرك عينيك في كتب ومقالات، أو تجبر نفسك علي ارتياد مقاهي الكلام وزنقات الأدب، أنت في حاجة لعمل عبقري يطلعك علي سر الفولة. الوصفة سهلة، اعمل دماغ فول ثقيلة، استيقظ مبكرا واذهب إلي عملك دون فطور، قاطع المشروبات الغازية والمأكولات الغربية، اسحب جثتك مع زميلين إلي ركن بين قاعات العمل، احضر رأسين من البصل الناشف مع طبق فول مدمس بالزيت والطحينة وقطع الطماطم واخلط الجميع بعصير الليمون، جهز أربعة قرون من الفلفل الأخضر وعودين من الجرجير مع رغيفين عيش بلدي، واملأ كوبا من شراب الطّرشي بالثوم والشطة، ضع الجميع علي أرضية من أوراق الجرائد والمجلات، تناول فطورك هادئا مع ترديد بعض الأدعية، أكرم نفسك بكثير من التجشؤ، ولا مانع من أن يلكمك الزملاء علي ظهرك كلما أردت ابتلاع طعامك دون مضغ كاف، قبل مغادرة المكان احبس فطورك بكوب من الشاي الثقيل, افرك يديك وعبئ صدرك بالقدر الكافي من الهواء والدخان، تحرك ببطء واربط نفسك بدولاب العمل. هو نصف ساعة سيمر عليك في أمان كامل، بعدها تتصاعد أبخرة وغيوم علي تلافيف مخك، تبدأ التثاؤب وتتباعد الأصوات عن أذنك مازجة طرقات النحاس مع صياح الرؤساء وضجيج المرؤوسين، ويختلط عليك الواحد والاثنين مع الثلاثة، ويتساوي لديك من يفكرون ومن لا يفكرون، وتصبح محايدا جميلا تطلق ما يكفي كل البشر من الأفكار البليدة. ستطوف برأسك فكرة ساذجة، أن الأعداء يشنون علينا الحروب لأنهم يغارون من جمال بلادنا، عندها انفض رأسك قليلا من أثر الفول وماء الطّرشي، لتعلم أن أعداءنا يحرصون علي الحياة فتوهب لهم القوة، أعداؤنا أقوياء بضعفنا، نظم تربيتنا لا تدربنا علي الإحساس بالجمال فلا نحسن التفرقة بين الورود والأشواك، ثقافتنا الشعبية تتمحور حول أفكار تدس فينا أن حظنا في الحياة همّ ونكد وأن الموت خلاصنا من كل عمل، نتدرب كل يوم علي قبول أنوع بليدة من القبح، تحيطنا مبهرجات تعمي العيون فيما نقرأ، ونشاز يثقب الأذن فيما نسمع، وروائح تزكم الأنوف فيما نشم، ولا نتعلم أن المبتهجين بالحياة هم القادرون علي الانتماء لوطن والكفاح علي عقيدة والتضحية من اجل حياة سعيدة. ستطوف برأسك فكرة عبيطة، أن الأعداء يشنون علينا الحروب لأنهم يحسدون ثراء أرضنا، عنها انفض يدك قليلا من أثر الزيت والطحينة، واعلم أن الأرض في كل بقاعها تحمل ثروات وفيرة لأصحابها، لكنها لا تخرج ثروة من غير عمل يقيسه عالم ويضبطه خبير، الأعداء يعقدون الصفقات معنا، يداعبون الأرض تحت أقدامنا لتخرج لهم الثروات ويعطوننا أجر حراس المقابر، يعطوننا قليلا من الزاد وحجاب عورة مع وعد بحراسة مزيد من الآبار والمناجم وطرق المواصلات. ستطوف برأسك فكرة خبيثة، أن الأعداء يشنون علينا الحروب لأنهم يخشون بأس تاريخنا، عندها امسح يديك بأوراق الجرائد وتخلص من أثر إعلامنا الساذج، واعلم أن التاريخ صناعة مشتركة بين الناس، التاريخ لا يعطي لأحد فضلا بعينه ولا يعطي صفاء لجنس بعينه، العظيم صنعته أمة والحقير صنعته أمة، هكذا أصالة تاريخنا في الماضي لا قيمة لها دون القدرة علي حداثة فعلنا في الحاضر، أعداءنا يفرضون أصالة تاريخهم الماضي بجدية فعلهم الحاضر. يا صاحب دماغ الفول الثقيلة، حين تشعر بعدم الفهم لما يدور حولك، اصبر حتي يأتيك الفرج، ولا تصاحب مثقفي المقاهي وصالونات الحلاقة وزنقات الأدب، فسيحشون دماغك بكلام فارغ عن الأصولية والثورية والانتماء والمعاصرة وسيضيق صدرك بكثير من دخان السجائر والمشروبات اللاذعة.