عندما تتابعت الأحداث الدرامية بين المنظمات والتنظيمات القيادية الفلسطينية.. واسفر الصراع الدموي بينهما عن مشهد لم يكن يتصوره الشعب الفلسطيني الصامد الذي يعاني ويدفع ثمن هذا الصراع غاليا.. بأن انقسمت السلطة الفلسطينية - والتي لم تصبح دولة بعد.. فهي مازالت تحت الاستعمار الاسرائيلي.. الي سلطتين احداهما يتزعمها الرئيسي الفلسطيني الشرعي محمود عباس "أبومازن" وتتخذ مقرها الرئيس برام الله بالضفة الغربية.. والتي شكلت حكومة طواريء جديدة أخيرا برئاسة الدكتور سلام فياض تتألف من احد عشر وزيرا وأدت يمينها الدستوري الاسبوع الماضي في 17 يونيو 2007 - أي منذ ايام معدودة وشدد رئيسها خلال الاحتفال بأداء اليمين الدستورية علي وحدة الضفة الغربيةوغزة.. كما رفض الرئيس الفلسطيني تنفيذ قرار جامعة الدول العربية بايجاد آلية للحوار بين فتح وحماس. بينما علي الجانب الآخر رفضت حركة حماس الاعتراف بتلك الحكومة ووصفتها بانها غير شرعية وتتنافي مع القانون وان الحركة لن تتعامل معها.. واكد الدكتور محمود الزهار - وزير الخارجية الفلسطيني السابق - ان الحكومة الفلسطينية بقيادة اسماعيل هنية ستستمر في عملها .. اذ ان ابومازن تجاوز اللجوء للمجلس التشريعي وعاود خالد مشعل وقيادات حماس ترديد ما سبق اعلانه من جانبهما عن استعدادهما للتجاوب مع الاجماع العربي الذي اكدته قرارات مجلس الجامعة العربية لنظر هذا الصراع بعد سيطرة حماس علي قطاع غزة - بضرورة استخدام الحوار اسلوبا بين الطرفين المتنازعين من خلال لجنة تم تشكيلها بالجامعة والتي ادانت في اجتماعها اهدار الدم الفلسطيني من اي من التنظيمين "فتح" أو "حماس" وعدم الشرعية الفلسطينية للسلطة القائمة برئاسة الرئيس محمود عباس!! ذكرني هذا التتابع للاحداث الدرامية.. والمواقف المتناقضة لقوي فلسطينية تهدر الدم الفلسطيني والكيان الذي تدافع عنه القوي العربية والدولية.. بل استشهدت من اجله الدماء المصرية وبذلت الغالي والرخيص بكيانها وشعبها وحتي الآن.. ذكرني هذا التتابع بواقعة اعتبرها تاريخية.. وكنت احد اطرافها.. بينما طرفها الآخر المرحوم الاستاذ احمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي كانت قد انشئت وتشكلت بناء علي مؤتمر القمة العربي بالقاهرة عام 1976 الذي رأسه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ودعا لانعقاده بجامعة الدول العربية بالقاهرة لتصبح كيانا فلسطينيا لكل التنظيمات الشرعية الفلسطينية الجادة بعد ان تناثرت وتعددت وحاد البعض عن اهداف القضية.. الي استثمار دول او تنظيمات عقائدية لها. كان الاستاذ احمد الشقيري سياسيا مرموقا.. يجيد الخطابة ومفوه اللسان.. ولد عام 1908 وتوفي في فبراير 1980 ودرس الحقوق والقانون في القدس وكان يحمل ايضا جواز سفر سعوديا - ومثل فلسطين في الأممالمتحدة، وعمل امينا مساعدا لجامعة الدول العربية.. ثم رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية حتي عام 1967 "أي عام النكسة في 5 يونيو من نفس العام" حيث رئي اقصاؤه عن منصبه بالمنظمة.. وان يحل الاستاذ الفلسطيني يحيي حمودة في موقعه لحين.. فغادر مقر المنظمة بشارع النهضة بالدقي.. واختفي عن الانظار لاسابيع قليلة.. حتي رأيته يرتدي ملابس رياضية "تريننج سوت" ويتريض بخطوة رياضية - علي الرغم من كبر سنه في هذا الوقت - وعندما شاهدني ابتسم واحتضنني وقال لي قولا له حكمته - لا أنساه - تذكرته جيدا مع اسلوب الالقاء وصدق البيان.. عندما قرأت وشاهدت وانفعلت بأحداث ايامنا هذه.. وما يفعله القادة المناضلون الفلسطينيون لينتصروا علي بعضهم.. قال الشقيري حينذاك: إني أشكر كل الشكر من أبعدني عن منصبي كرئيس لمنظمة التحريرالفلسطينية واستبدلني بآخر .. وأمتن له عظيم الامتنان.. فقد كنت اقود سيارة كل اجزائها وهيكلها لا يرتبط بقاعدتها أو قوائمها.. والأدهي في ذلك ان "الدريكسيون" (هكذا قالها اي "عجلة القيادة" اكتشفت بعيني انه "مفكوك" وغير "مربوط" اطلاقا بشيء بالسيارة وطيلة ماكنت في منصبي - تركوني في السيارة فوق تل عال وعتيد.. وأهل الخير والشر دفعوا السيارة وانا فيها لتسقط بسرعة كبيرة من فوق التل.. وأنا أدعو ربي اما ان تقف السيارة.. أو يقذف بي خارجها سليما مقدرا لسني وعجزي.. فوجدت فجأة صاحب القرار يوقف السيارة ويأخذني من داخلها.. ويستبدلني بآخر علي عجلة القيادة المنفلته وغير "المربوطة" ليصعدوا به "التل" المرتفع والعاتي.. ويعودوا لدفع السيارة وهو بداخلها.. الي ان يريد الله امرا كان مكتوبا!! رحم الله الاستاذ والسياسي المحنك احمد الشقيري!! أليس لهذه المأثورة.. والحكمة والتشبيه اللذين تخللاها.. لهما جميعا دلالة فيما يحدث اليوم؟! فهل ما يجري في المشهد الفلسطيني الآن.. يدعو للتفاؤل: ان عجلة القيادة ستثبت داخل هيكل السيازة الفلسطينية.. وان اندفاع السيارة من اي تل.. سيجد من يقودها ليصعد من جديد بحقوق الشعب الفلسطيني العادلة.. وتؤكد ان مؤسسات وكيانات القضية مازالت قائمة تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه؟! وعاصمة القدس الشريف.. هل ما يجري في المشهد الفلسطيني اليوم.. يحول دون يأس دول المنطقة العربية بداءة - والعالم الخارجي ثانية.. من حماة القضية من ابنائها.. وسلوك قادتها ومصالحهم.. فتترك لهم القضية لتجمع اسرائيل واعداء القضية ثمار تلك الخلافات .. فهي تحرث وتشعل النار وتحرق الاخضر واليابس.. اكثر من الطائرات والدبابات!! ألا تهتز مشاعرنا وكرامتنا نحن العرب.. وأيها الأخوة من القادة الفلسطينيين عندما ترون نساءكم وأطفالكم يغادرون غزة عبر معبر إيرز متجهين لإسرائيل ينشدون الأمان.. بعد سيطرة حماس علي قطاع غزة!! ألا تتوقعون أيها القادة الفلسطينيون سواء حماس في غزة أو فتح في الضفة الغربية أن تمركز القوات الإسرائيلية شمال غزة وتعيين باراك وزيرا للدفاع واستعداده للهجوم خلال أيام أو أسابيع.. وأن سعي أولمرت مع الرئيس بوش.. للمواجهة الشاملة مع حماس في غزة.. باعتبار ما قامت به من وجهة نظر السلطة الشرعية الفلسطينية وبجانبها إسرائيل والإدارة الفلسطينية انقلابا مسلحا مخططا علي شرعية السلطة الفلسطينية.. لن تأتي آثاره بالانقضاض علي حماس فقط بعزلها والعمل علي تقويضها بل آثاره ستمتد سياسيا واقتصادية وعسكريا وأمنيا لشعب غزةالفلسطيني نفسه والذي بدأ يفتقد كل أنواع المرافق كأن "الجريمة تعم" كما ستمتد انعكاساته إلي دول وقوي أخري داخل فلسطين وخارجها. ألا تشعرون أيها القادة علي اختلاف فصائلكم بأن احترام القضية الفلسطينية وعدالتها في دول العالم كان يستند بداءة علي احترام نضال أبطالها وصمودهم ضد العدو وعدالة مطالبهم تاريخيا.. وشعبيا من جانب واستظهار العالم لظلم إسرائيل وعرقلتها مسيرة السلام مع دعاة السلام العادل والشامل.. هذا بالإضافة إلي أن الأمن القومي للمنطقة العربية جمعاء.. ودول الجوار خاصة مصر التي بذلت وستبذل الكثير علي الرغم من تلك الأخطاء.. ارتبط ارتباطا عضويا بقضية الشرق الأوسط أي قضية فلسطين وحقوق شعبها العادل.. فهي القضية الأولي والأهم والتي ارتبطت أيضا في السنوات الأخيرة بقضايا أخري في مقدمتها العراق ولبنان.. إلي جانب الموقف من الموقف الدولي من قضايا ودول المنطقة ومحيطها كسوريا وإيران وأفغانستان وإيران وتركيا.. إلخ. وإذا كنا أحيانا ننسي التاريخ أو نتناساه فلتسمح لي أيها القارئ الكريم.. أن نتذكر معا بإيجاز وقائع عن السياسة الإسرائيلية والمسألة الفلسطينية من خلال وثائق ووقائع تاريخية.. حتي نتأكد من جذور المشكلة وحتي لا نحيد عن الطريق.. أو نفتقد الرؤي فنفقد المصير.. فضياع أيام من الزمان دون حل القضية قد يطويها في أضابير النسيان.. فلا انتصار في حرب أو سلام. يقول الدكتور عاصم الدسوقي في كتابه "تاريخ العرب الحديث والمعاصر" "المشرق والمغرب" في الفصل السادس عن المشكلة الفلسطينية الآتي: 1 شهدت أوروبا الشرقيةوالغربية ما يسمي ب "المشكلة اليهودية" لفقدان الانسجام الاجتماعي والسياسي المتبادل بين الأقليات اليهودية وبين المجتمعات الأوروبية التي تعيش في كنفها.. فأصبحت المشكلة اليهودية مشكلة أوروبية في الأساس.. فكان هناك حلان وذلك في القرن الثامن عشر هما إما اندماج اليهود في مجتمعاتهم الأصلية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بدلا من البقاء في مجتمعاتهم الصغيرة المعزولة المعروفة ب "الجيتو".. ويتأتي ذلك من خلال الاندماج تحت لواء الديمقراطية الليبرالية والتسامح الديني.. خاصة مع قيام الثورة الفرنسية عام "1789" وقد نادي قسم من اليهود بهذا الاندماج. بينما تبني قسم آخر من اليهود ومثلوا "الفكر اليهودي الأوروبي" إنهاء مشكلتهم في أوروبا والاندماج في مجتمعاتهم الأصلية في إطار الصورة "الاشتراكية" وهو ما عرف ب "الصهيونية السياسية".. والسعي لإقامة دولة يهودية خاصة خارج أوروبا بأي وسيلة وتأرجح هذا الفكر في القرن التاسع عشر في اختيار المكان ما بين فلسطين، الأرجنتين، مدغشقر أوغندا إلا أنه تعلق بأرض فلسطين. ومن هنا توافقت الحركة الصهيونية السياسية مع الرأسمالية الأوروبية ذات الوجه الاستعماري.. ونضج التعاون بين الطرفين.. حتي أمكن اليهود من تأسيس مزارع، بيوت مالية، ومشاريع كبيرة خاصة بأموال اليهودي روتشيلد عام 1854 وأقاموا الجمعيات والمنتديات.. وحاولت الدول الأوروبية إقناع بريطانيا لإعطاء اليهود شبه جزيرة سيناء إلا أن بريطانيا لم تتمكن من ذلك.. فتمسك اليهودي هرتزل بفلسطين وعقد المؤتمر الأول في "بال" بسويسرا عام 1879 وأرسي الحركة الصهيونية إلي أن اتفقت بريطانيا ومصالحها مع اليهود باعتبارها قوي إمبريالية عالمية فساعدتهم علي التوطن وإقامة دولة إسرائيل بفلسطين بصدور وعد بلفورد في 2 نوفمبر 1917 ولا يزال ملف القضية مفتوحا. بينما تقول الباحثة نجلاء أبو عز الدين وهي أستاذة بجامعة بيروت وخبيرة للشئون العربية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا إن ما حدث في فلسطين هو قضية أخلاقية فوق كل شيء آخر.. وتضيف أن المشكلة اليهودية التي افترض أن تحلها دولة يهودية جديدة هي مشكلة اليهود في المجتمع الغربي.. وهذا المجتمع فشل في حل قضيته مع أقليته اليهودية.. فألقي بالمشكلة علي كاهل العرب. وتضيف: أهل كانت خطيئة العرب أنهم ضعاف؟!! ولذلك دفع العرب الثمن غاليا عام 1948 بسبب ضعفهم فقد محي اسم جزء من إرثهم هو فلسطين في الخريطة واقتطع أكثر من مليون وأجبروا علي مغادرة بيوتهم وأرضهم. وبعد ذلك وفي النهاية.. هكذا كانوا ينظرون أن ضياع فلسطين خطيئة ضعف العرب.. هل نعتبر اليوم أن أي ضياع لفلسطين نتيجة لخطيئة الفلسطينيين أنفسهم وإضعافهم لموقف العرب!! هذه رسالة لشعب فلسطين الجريح..!!