ليس من المستغرب أن تطغي أحداث العراق والموقف المتفجر هناك علي أول زيارة قام بها وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد مؤخراً لليابان وكوريا الجنوبية، فهذه الزيارة قد تأجلت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وأدي تدهور الموقف في العراق إلي تراجع اليابان وتأخرها في إرسال قوات إلي العراق، وإلي إعلان كوريا الجنوبية عن خفض عدد قواتها التي سترسلها إلي بغداد. فالولاياتالمتحدة يجب أن تركز الجانب الأكبر من اهتمامها علي منطقة آسيا والباسيفيكي، فإذا كان العراق يشكل اختباراً مهما أمام الاستراتيجية الأمريكية، إلا أنه مهما يحدث هناك لن يغير ميزان القوة العالمي، بل علي العكس فإن نقل موازين القوي إلي منطقة آسيا والباسيفيكي سيعيد تشكيل ملامح الأمن العالمي للجيل القادم ومابعده. فعلاقات الولاياتالمتحدة بالصين تشهد تحسنا في الوقت الحاضر مقارنة بما كانت عليه في العقود الماضية وخاصة بعد أن قررت واشنطن وبكين ألا تتأثر العلاقات بينهما بمسألة القلق حول أمن تايوان. وتراقب الصين بقلق مشروع الدفاع الصاروخي الأمريكي في الوقت الذي تراقب فيه واشنطن عن كثب عملية تحديث وتطوير الجيش الصيني، ولكن ذلك أيضاً لم يمنع الدولتين من التعاون في مجالات عديدة تمتد من أزمة كوريا الشمالية إلي مكافحة الإرهاب وموضوعات التجارة العالمية. وهناك مؤشرات إيجابية في الوقت الحاضر علي قرب حدوث استقرار في شبه الجزيرة الكورية، وستبحث الجولة الثانية من المحادثات التي تشارك فيها ست دول كبري في شهر ديسمبر الحالي الوسائل السلمية الكفيلة بحث كوريا الشمالية علي وقف برنامجها النووي. وقدمت واشنطن مساهمة فعالة في هذه المسألة بإعلانها أنها ستقدم لكوريا الشمالية تعهدات أمنية مكتوبة إذا تخلت بيونج يانج عن طموحاتها النووية. ومن جانبها وافقت كوريا الشمالية علي السماح لخمس بعثات جديدة بالبحث عن رفات الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في الحرب الكورية. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ذلك أثناء وجود رامسفيلد في سول مما يشير إلي وجود بعض التعاون بين الطرفين. وفوق ذلك فإن تحالف الولاياتالمتحدة مع أصدقائها في منطقة آسيا والباسيفيكي يحقق تقدماً ملحوظاً، فبغض النظر عن تردد اليابان في إرسال قوات إلي العراق. فإن طوكيو تمضي بخطي ثابتة تجاه بناء قوة بحرية فعالة، ولم تشهد العلاقات الدفاعية بين واشنطن واستراليا - وهي حليف رئيسي آخر - تقارباً قوياً مثل التقارب الحالي. كما حققت الولاياتالمتحدة أيضاً تقدما كبيراً في توحيد جهود دول منطقة جنوب شرق آسيا في محاربة الإرهاب. وتبدو كوريا الجنوبية حليفاً أكثر عناداً، إلا أن الولاياتالمتحدة ستعيد نشر الجزء الأكبر من قواتها هناك في جنوب العاصمة سول في محاولة لتهدئة المشاعر المعادية لأمريكا، وناقش رامسفيلد ذلك خلال زيارته لكوريا الجنوبية بالإضافة إلي خطط الولاياتالمتحدة لخفض أعداد قواتها في منطقة آسيا والباسيفيكي والاعتماد علي قوات أصغر ذات مرونة كبيرة لتعمل في مناطق ذات مساحات أكبر وتكون مزودة بأسلحة ومعدات تكنولوجية متطورة. وهذا سيكون أكثر فائدة لكل من واشنطن وحلفائها. والأهم من ذلك أنه ستكون هناك إمكانية لتتنافس الولاياتالمتحدة والصين بشكل علني ومفتوح للاستحواذ علي مزيد من القوة والنفوذ في منطقة آسيا والباسيفيكي، إلا أن واشنطن عليها ألا تجعل من الصين عدواً للمنطقة مما قد يثير مخاوف دولها بشكل كبير، وعليها أن تؤكد لبكين أنها ترغب في التعون معها وفي نفس الوقت تحرص علي إظهار قوتها لاحتواء الطموحات العسكرية الصينية. فالصين مستمرة في تطوير ترسانة من الأسلحة النووية وتزيد من قدراتها في استهداف أراضي الولاياتالمتحدة بالصواريخ النووية بعيدة المدي. ولذلك فإن أمريكا ستطور أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستي ومن غير المحتمل أن تتراجع عن خططها في هذا المجال. وكلما تزايدت قوة الصين تزايد قلق اليابان وكوريا الجنوبية وبقية حلفاء أمريكا في المنطقة علي مراكزهم، ولذلك فإننا من المحتمل أن نشهد سباق تسلح جديدا في شمال آسيا، ويجب أن تقرر اليابان وكوريا الجنوبية علي وجه الخصوص ما إذا كانا سيحتاجان أسلحة نووية لإحداث توازن أمام قدرات الصين المتنامية. وبالنسبة لبقية دول المنطقة الصغيرة فإن عليها التعامل مع تنامي قوة الصين ومع تطورات العلاقات الأمريكية-الصينية. فهناك دول علي استعداد لقبول نفوذ صيني أكبر، وهناك دول مثل فيتنام ستحاول تحجيم التوسع الصيني. وبلا شك فإن توازن القوي المستقبلي في آسيا سيشكل تحدياً أمام استراتيجية الأمن الأمريكي، وعلي إدارة الرئيس بوش أن تحول اهتمامها إلي منطقة آسيا والباسيفيكي ولا تجعل العراق والإرهاب يستحوذان علي الجزء الأكبر من هذا الاهتمام. ?كاتب المقال هو مدير البرامج في معهد السياسة الاستراتيجية الاسترالية بكانبرا.