عندما بدأ معية نهوض وتنمية المرأة عملها في المناطق العشوائية منذ عشرين عاما، اكتشفنا أن أفقر الفقراء هي المرأة المعيلة لأسرة. وعندما نظرنا إلي مشكلات هذه المرأة، وجدنا أنها تبحث عن لقمة العيش، وتعاني من الفقر، كما أنه ليس لديها مهارات، ومسئولة عن تربية أطفالها ولا تستطيع تركهم لتخرج للعمل. وجدنا أن هذه المرأة في حاجة لأن تحقق الحماية والبقاء، ومن هنا أنشأت الجمعية برنامجا للإقراض الجماعي، وكانت بذلك أول جمعية في الوطن العربي تطبق نظام القروض متناهية الصغر بأسلوب الضمان الجماعي. وفي هذا الإطار، أتيحت الفرصة أمام السيدات لإقامة مشروعاتهن في محل إقامتهن أو بالقرب منها حتي لا يضطررن لترك أبنائهن. ومن خلال عمل المرأة في مشروعها الخاص تتمكن بالتالي من توفير الغذاء والتعليم والعلاج لأولادها، وبالتالي تحميهم من التشرد وتتمكن من النهوض بأسرتها. وتمنح هذه القروض دون الحاجة إلي ضامن أو ضمان، ويمنح القرض لمجموعة مكونة من خمس سيدات يخترن بعضهن البعض، علي أن يكون لكل سيدة من هؤلاء السيدات مشروع قائم أو فكرة مناسبة لمشروع. ونقوم في هذا الإطار بعمل بحث ميداني لطبيعة المشروعات المناسبة، ونحرص علي أن تكون مشروعات ذات هامش ربح مناسب، كما أنها يجب أن تكون مناسبة للمناطق التي تقام فيها. وقد كان مشروع القروض الصغيرة ناجحا بشكل كبير، حيث وصلت نسبة سداد القروض إلي 99% وفي بعض الأحيان وصلت إلي 100%. كما أن السيدات اللاتي حصلن علي قروض تمكن من إنشاء مشروعات خاصة، وتوسيع هذه المشروعات حتي أن بعضهن تمكن من إنشاء مشروعات جديدة لأبنائهن. وعلي الرغم من النجاح الذي حققته القروض متناهية الصغر، إلا أن هناك عقبات مازالت تواجه هذا القطاع في مصر، منها علي سبيل المثال: أنه لا يوجد قانون محدد للقروض متناهية الصغر في مصر، كما أن نظام القروض لا يسمح بالادخار، بالإضافة إلي أن هناك فجوة نوعية بين الذكور والإناث في الحصول علي القروض، حيث أنه في برامج القروض الموجهة للجنسين غالبا ما يحصل عليها الرجل، وهناك أيضا تضارب في الرسوم الإدارية المفروضة علي القروض، بين الجمعيات الأهلية فتتراوح ما بين 3% إلي 35% وأخيرا، فإنه ليس هناك تشبيك بين الجمعيات الأهلية فيما يختص بالقروض. وللتغلب علي هذه العقبات، فإننا ومن خلال تعاملنا المباشر مع متلقي القروض، وخبرتنافي هذا المجال فإننا نقترح عددا من التوصيات التي من شأنها دعم نظام القروض في مصر، وجعله أكثر فاعلية ومن ذلك إيجاد آلية تنسيق وتكامل بين المنظمات المتخصصة في التمويل متناهي الصغر في البنوك التجارية الراغبة في التعامل في هذا المجال. وتنويع خدمات التمويل متناهي الصغر، والبعد عن الاقتصار علي أشكال القروض التقليدية. والعمل علي تغيير أنظمة المؤسسات البنكية الرسمية تجاه فكرة المخاطرة العالية في تمويل الفقراء. كما ندعو إلي إنشاء مراكز معلوماتية متخصصة لتوثيق التاريخ التأميني للمقترضين. وإقامة دورات تدريبية للعاملين في برامج التمويل متناهي الصغر والاعتماد علي خبرات الجمعيات القوية والناجحة. والعمل علي التنسيق بين الممارسين والصندوق الاجتماعي للتنمية. كما يجب أن نعمل علي توفير معلومات عن السوق تتسم بالدقة ودورية التحديث. ومن المهم أن يتم تطبيق الادخار داخل نظم الإقراض. إن البعض قد يعتقد أن الإقراض مهمة البنوك فقط، ولهذا فربما يرون أن الجمعيات تتجاوز صلاحياتها بتقديم القروض الصغيرة، ولي تعقيب صغير علي هذا الرأي، فالجمعيات أحد الأطراف المهمة بل الرئيسية في عملية التنمية في مصر، كما أنها الأقدر علي الوصول للمستفيدين، بالإضافة إلي أن لها دورا في توعية المواطنين، ولهذا فقد كان من البديهي أن تكون الجمعيات طرفا في مسألة الإقراض. وأضيف علي ذلك أن هناك عاملا مساعداً للجمعيات وهي أنها أصبحت محل ثقة الجهات المانحة خاصة بعد التقدم الكبير الذي أحرزته خلال السنوات الأخيرة. وفي النهاية، أود أن أشير إلي أننا يجب أن ندرك أن القروض لن تقضي علي الفقر أو تحقق التنمية الاقتصادية المنشودة، إلا أنها وسيلة للحماية والبقاء، ومن هنا فإننا يجب أن نتعاون جمعيا في دعم نظم الإقراض في مصر بما يحقق الآمال المرجوة.