ليس هناك من يتوقع سهولة الأمر. إلا أن جهوداً جديدة تبذل وتمضي خطوة وراء الأخري، من أجل إعادة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلي طاولة المفاوضات السلمية مجدداً. وفيما لو نجحت هذه المفاوضات، وتوصلت لاتفاق سلام بين الطرفين، فإنها ستكتسي أهمية بالغة الحيوية بالنسبة للعالم العربي كله، لكونها ستزيل العقدة الرئيسية، التي ينبع منها الجزء الغالب من مشاعر العداء العربي للولايات المتحدةالأمريكية. فبعد ما يشبه القطيعة الأمريكية الكاملة من عملية السلام هذه، إذا بوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، تعود مرة أخري إلي الشرق الأوسط، في مسعي جديد لها، يهدف إلي استقطاب الدعم اللازم لمبادرة السلام السعودية، التي كانت قد أطلقت للمرة الأولي في عام 2002 ومما لاشك فيه أن مناقشة هذه الخطة وإجراء أية تعديلات محتملة عليها في قمة جامعة الدول العربية التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض، ستكون لها أهمية كبيرة. وتنص مبادرة السلام هذه، علي مقترح بالاعتراف الكامل بإسرائيل، مقابل انسحابها الكامل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها. ووفقاً للتصريحات التي أدلت بها رايس لصحيفة "نيويورك تايمز"، فقد ألمحت إلي مقترحات أمريكية جديدة، ترمي إلي سد الفجوة القائمة ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وعلي الصعيد نفسه، تحدث الرئيس بوش في معرض تحديد الإطار العام لدعوته إلي نشر الديمقراطية في العالم الإسلامي، عن دولة فلسطينية تامة الاستقلال، تعيش جنباً إلي جنب مع دولة إسرائيلية آمنة. ولأكثر من وجه وسبب، فإن هذه اللحظة، يصعب جداً اعتبارها سانحة حقيقية مبشرة بإحلال السلام والحرية في الشرق الأوسط. ففي قطاع غزة، لا تزال حركة "حماس" المدرجة أمريكياً ضمن قائمة المنظمات الإرهابية- ذات يد طولي في تصريف شئون الحياة هناك. أما في لبنان، فقد ازدادت شوكة "حزب الله" وهو منظمة إرهابية أخري حسب التصنيف الأمريكي- في أعقاب الإهانة العسكرية التي وجهها لإسرائيل في حربه معها في صيف العام الماضي. وإلي ذلك، لا تزال الأصابع السورية تعبث بالشئون الداخلية للبنان، بينما تعبث أصابع طهران، بالشئون الداخلية للعراق. وغني عن القول إن هذا الأخير، تمزق أوصاله نيران حرب طائفية شيعية- سُنية طاحنة، لا يستبعد أن تمتد بآثارها الكارثية السالبة، إلي المنطقة العربية بأسرها. أما في إسرائيل، فقد جري تعويض رئيس الوزراء اليميني السابق إرييل شارون، بخلفه إيهود أولمرت، مع ملاحظة أن لشارون من الثقل السياسي في إسرائيل، ما يمكنه من التوصل إلي صفقة سلمية تفاوضية مع الفلسطينيين، علي عكس خلفه أولمرت، الذي يفتقر إلي ذلك الثقل السياسي وإلي السند الشعبي، مضافاً إليهما ما لحق به من وهن سياسي، إثر المغامرة العسكرية الإسرائيلية فادحة الثمن، التي خاضها في لبنان. والملاحظ أن كلاً من واشنطن وتل أبيب، قد علقت آمالاً عراضاً علي الدور الذي يمكن أن يضطلع به القائد الفلسطيني المعتدل محمود عباس "أبومازن"، بعد أن خلف هذا الأخير في المنصب، سلفه ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية. إلا أن الحقيقة أن عباس قد ثبت ضعفه في المنصب الرئاسي. وكما نعلم فقد فازت علي منظمته "فتح"، حركة "حماس" في الانتخابات الفلسطينية العامة التي جرت في العام الماضي، مع العلم بأن "حماس" لا تزال تتمسك برفضها الاعتراف بحق إسرائيل في البقاء. وبالنتيجة، فقد أحدث بروز "حماس" وتسيدها المشهد السياسي الفلسطيني، صدمة كبيرة لغالبية الدول الغربية. وقد ترتب علي ذلك أيضاً، رفض الولاياتالمتحدة التعامل مع حكومة "حماس"، ما لم تعلن صراحة اعترافها بإسرائيل. لكن علي أية حال، فقد أخذت المملكة العربية السعودية بزمام المبادرة في الشهر الماضي، وقادت عملية تنسيق الجهود وتوحيد الصف الفلسطيني، ما أفضي للإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، لا تزال تسيطر عليها حركة "حماس"، إلي جانب تمثيل العناصر البراجماتية والمستقلة فيها. وعلي رغم بقاء الولاياتالمتحدة علي تحفظها وتمنعها عن التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، إلا أنها آثرت التعامل مع بعض أعضاء مجلس وزارتها، من أمثال وزير المالية سلام فياض، الذي تعتقد واشنطن أن بإمكانها العمل معه. ومهما يكن من أمر، فإن تلك المبادرة السعودية في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هذه، ليست سوي خطوة واحدة، ضمن سلسلة من الخطوات الأخري، التي تقوم بها المملكة مؤخراً في إطار دورها المؤثر في الشرق الأوسط. وفيما يبدو من هذه التحركات، فإن المملكة كثفت من نطاق تدخلها الإقليمي، ما أن رأت نذر المهددات والخطر، قد لاحت في سمائها. ومن هنا يفسر تقريع العاهل السعودي الملك عبدالله، الصريح والعلني ل"حزب الله"، بسبب إشعاله حرباً لا مبرر لها مع إسرائيل. ثم تلا ذلك دوره في التوسط وعقد الصلح ما بين حركة "حماس" ومنظمة "فتح" الفلسطينيتين. وإلي جانب ذلك، تراقب الدول العربية عن كثب وبقلق بالغ، المطامع النووية الإيرانية، بكل ما يعنيه تطوير الأسلحة النووية من تهديد أمني جدي للعالم العربي. وفيما لو مضت إيران علي رغم العقوبات الدولية والأمريكية المفروضة عليها، إلي تطوير ترسانتها النووية، فإن ذلك سيدفع الدول العربية في المقابل، إلي التفكير الجدي في درء ذلك الخطر، بتطوير سلاحها النووي الدفاعي.