وساطة جديدة بين فتح وحماس تقوم بها المملكة العربية السعودية عبر استضافة قيادات فتح وحماس في مكة للتوصل الي اتفاق ينهي المعارك الداخلية بين الطرفين والتي اصبحت تقليدا يوميا الان في الضفة وغزة، في ظل نجاح واستمرار اتفاق التهدئة مع إسرائيل ، حيث لم تحدث اي عمليات فلسطينية بما في ذلك اطلاق الصواريخ ضدها ما عدا العملية الاستشهادية الاستثنائية التي تمت في حيفا الاسبوع الماضي وتعهدت إسرائيل بعدم الرد عليها خاصة غزة وهي معقل حركة حماس شهدت هذاالاسبوع معارك عنيفة بين قوات حركة فتح وحرس الرئاسة من ناحية والقوات التابعة لحركة حماس "القوة التنفيذية" وهي ميليشيات الحركة، التي رفضت السلطة ادماجها ضمن القوات الامنية الرسمية. وبلغت حصيلة القتلي من الجانبين في معارك يوم الجمعة الماضي فقط 25 قتيلا، واحتارت وكالات الانباء والمعلقون في تصنيف هؤلاء هل يعتبرون قتلي ام شهداء؟! وشهدت غزة التي انسحبت منها قوات الاحتلال هرباً من جحيم القطاع ولايقاف الخسائر البشرية وعنف المعارك، حيث تتبادل قوات فتح وحماس السيطرة علي الجامعات والوزارات ومقار حكومية، علاوة علي القيام بعمليات اختطاف. والمثير ان القوات الرئاسية التابعة مباشرة للرئيس محمود عباس اعتقلت 7 ضباط استخبارات ايرانيين قالت انهم كانوا يقومون بتدريب قوات حركة حماس. قذائف المورتور والصواريخ المضادة للدبابات والمدرعات والمدافع سريعة الطلقات، اصبحت تستخدم الان في المواجهات الحربية بين فتح وحماس، وجهود الهدنة والوساطات التي تقوم بها مصر والسعودية اصبحت يومية دون امكانية حقيقية لانهاء القتال. وبلغ التوتر اقصاه باطلاق النار علي وفد الوساطة المصري الذي يقيم بصفة دائمة في غزة، ونجا الوفد بمعجزة فيما اصيب مرافقوه من حرس الرئاسة وسجلت العملية ضد حركة حماس، التي تقف من ناحيتها القيام بتلك العملية، ولكن يبقي ان هناك من يريد افساد جهود الوساطة وانهائها. إلي مكة وجاء التدخل السعودي بدعوة الاطراف الرئيسية الي المدينة الاكثر قداسة لدي المسلمين قاطبة الي مكة لكي تظل جهود الوساطة الاخيرة طبقا لتصريحات مسئولين سعوديين، اشاروا الي ان حقن الدماء الفلسطينية واعتبار الحرب الاهلية خطا احمر ينبغي عدم تجاوزه، وان القدوم الي مكة بروح المصالحة والحلول المقبولة من الجميع يجب ان يكون ضمانة لانجاح هذا الاجتماع. وربما تم اختيار مكة لاسباب اخري تسمح بحضور رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل والرجل القوي الذي يسيطر علي اتجاه وقرارات الحركة، حيث لا يستطيع مشعل الذهاب الي غزة، فيما لم يحقق الاجتماع الذي تم بين محمود عباس وخالد مشعل في دمشق النتيجة المرجوة. احترام والتزام وقد شهد اجتماع دمشق خلافا بين عباس ومشعل علي كلمة واحدة، حيث نص مشروع الاتفاق الذي تم التوصل اليه علي كلمة الالتزام بالاتفاقيات التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في السابق، بما في ذلك بالطبع اتفاقيات اوسلو، ولكن خالد مشعل ومفاوضي حركة حماس استبدلوا كلمة الالتزام بكلمة اخري وهي الاحترام وبالطبع فان احترام تلك الاتفاقيات لا يعني الالتزام بها. شجار بالاحذية والمثير ان الخلافات لم تقتصر علي حركة فتح وحماس فقط إذ شهد الاجتماع الذي عقده المجلس الثوري لحركة فتح في رام الله برئاسة محمود عباس شجارا بالاحذية بين رئيس جهاز المخابرات في الضفة الغربية توفيق الطبراوي والرئيس السابق لجهاز الامن الوقائي اللواء جبريل الرجوب، وبالطبع فان المعركة التي تمت بالاحذية علي خلفية المعارك التي تدور بالرصاص في غزة قد تم احتواؤها بالمصالحة، فيما المعارك الاخري لا تزال مستمرة . اللجنة الرباعية وفيما انهار الاتفاق التاسع لوقف اطلاق النار بين حماس وفتح، واصبحت الانظار متجهة الي اجتماع مكة، فان اللجنة الرباعية الدولية عقدت اجتماعا مهما في نيويورك، بعد ان اجري وزير الخارجية احمد ابو الغيط والوزير عمر سليمان مباحثات مهمة في واشنطن مع وزيرة الخارجية كوندا ليزا رايس واعضاء في الادارة الامريكية. وفي تلك الاجتماعات جرت مناقشة المبادرة المصرية الجديدة لتحريك عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية ، والقائمة علي المزاوجة ما بين مبادئ خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، والتي تسمح باقامة دولة فلسطينية علي الاراضي التي احتلت عام 1967. وفي نفس الوقت فان الاتحاد الاوروبي اصبح يتبني الان سياسة الوصول الي نهاية الطريق بتجاوز الخلافات التي تعرقل المفاوضات خاصة قضية عودة اللاجئين الفلسطينين وقضية القدس، والدخول مباشرة الي قضية اقامة الدولة الفلسطينية ، مع ارجاء القضايا الخلافية الي مرحلة تالية يتم خلالها بناء الثقة وعدم حسم القضايا الخلافية باي شكل من الاشكال سواء بالرفض او القبول كما تتبني الادارة الامريكية هذا التوجه الان، حيث اكدت وزيرة الخارجية كوندا ليزا رايس ان هناك امكانيات حقيقية وفعلية لاحراز تقدم علي صعيد القضية الفلسطينية، وانها ستعود الي المنطقة في منتصف فبراير لمواصلة المفاوضات التي اجرتها في المنطقة الشهر الماضي. ولا يمكن ايضا تجاهل زيارة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل لمصر والسعودية، حيث تترأس المانيا الدورة الحالية للاتحاد الاوروبي، وبالتالي فقد اولت اهتماما كبيرا لدفع الملف الفلسطيني. واذا اضفنا الي ذلك اعتراف محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بوجود قناة سرية للتفاوض مع إسرائيل ، ورغبة حكومة ايهود اولمرت تحقيق انجاز سياسي ينقذ حكومته من الفشل الذي يحيطها، والاستعداد للعودة لبرنامج الائتلاف الحكومي بين حزب كاديما والعمل القائم علي الموافقة علي اقامة دولة فلسطينية، فان هناك امكانيات للتقدم لم تتحقق منذ سنوات. أسهل من العراق وفي ضوء تلك التطورات فان اطرافاً عدة في مقدمتها الولاياتالمتحدة باتت مستعدة للتعامل مع الملف الفلسطيني بصورة اكثر تركيزا والعمل علي احراز نتائج ايجابية بسرعة، في ظل تعقد الملف العراقي. والمثير ان الملف الفلسطيني الذي اصبح ملفا مزمنا وبالغ التعقيد اصبح الان اسهل من الملف العراقي، الذي اصبح حله يعتمد علي حل القضية الفلسطينية. سوريا وإيران ولان كثيرا من الحروب والنزاعات في المنطقة تتم بالوكالة كما يحدث بصورة واضحة في لبنان، فان ما يحدث في سوريا امتداد طبيعي للمواجهة في لبنان وحيث الموقف الايراني- السوري الموحد الذي يرفض الصفقات المنفردة، ومحاولة تجزئة قضايا المنطقة خاصة ان هناك خططاً يجري الحديث عنها لضرب ايران لتدمير برنامجها النووي، علاوة علي اهمال وتجاهل تام للملف السوري. واذا كانت سوريا وايران تدعمان حزب الله بشدة في لبنان وهو ما يؤدي الي تعقد الصراع السياسي هناك مع معسكر الغالبية البرلمانية المدعوم في امريكا وفرنسا والدول العربية المعتدلة مصر والسعودية، فان الصورة تتكرر في فلسطين بنفس الصورة، فالدول التي تدعم حماس والجهاد الاسلامي هي نفسها التي تدعم حزب الله وامل في لبنان، والدول التي تدعم فتح والرئاسة الفلسطينية هي التي تدعم تيار المستقبل ومعسكر 14 مارس في لبنان وحكومة فؤاد السنيورة. والمشكلة ان هذه المواجهة الدولية قد تجر لبنان وفلسطين الي حرب اهلية، في ظل التشدد والدعم الخارجي، علي الرغم من اصرار كل الاطراف علي ان الحرب الاهلية خط احمر لا يمكن عبوره، ولكن الاحداث تثبت ان هذا الخط الاحمر يمكن عبوره بسهولة والدليل ما يحدث في العراق ولبنان وفلسطين.