في خريف 2005 أخبر الجنرالات الذين يديرون العراق "لجنة العلاقات الخارجية" بمجلس الشيوخ الأمريكي أن الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية من العراق مسألة حتمية، ذلك لأن وجود هذه القوات الأمريكية -كما قال الجنرال "جون أبي زيد" والجنرال "جورج ئي. كيسي" في ذلك الوقت- يؤدي إلي تأجيج التمرد، وزيادة درجة الاعتماد علي الأمريكيين داخل قوات الأمن العراقية، كما يؤدي إلي نتائج عكسية فيما يتعلق بما أطلق عليه الجنرال أبي زيد "الحرب الطويلة" ضد الراديكالية الإسلامية. أما في هذا الأسبوع فإن ما يقوله هؤلاء القادة قد تغير بشكل كبير حيث أخبر الجنرال أبي زيد، رئيس القيادة المركزية الأمريكية نفس اللجنة أن القوات الأمريكية هي الشيء الوحيد الذي يحول دون نشوب حرب أهلية كاملة في العراق، وأن السحب المرحلي لتلك القوات سيكون خطأ يتعين علي أمريكا عدم الوقوع فيه. والشيء الذي يقول الخبراء العسكريون ومسؤولو الاستخبارات الأمريكيون إنه قد تغير هو أن "البعثيين" و"الجهاديين الخارجيين" لم يعودوا هم العدو الأخطر الذي تواجهه الولاياتالمتحدة في العراق، وأن الخطر الأكبر الآن هو احتمال أن يؤدي العنف المحتدم بين الشيعة والسُّنة إلي تدمير العراق وإلي تداعيات بعيدة المدي، يمكن أن تنتج عن امتداده إلي دول أخري عبر الشرق الأوسط. ربما يستمر شعور الجنرال أبي زيد وغيره من القادة الأمريكيين بالقلق من التداعيات طويلة الأمد التي يمكن أن تترتب علي الاحتفاظ بقوة أمريكية ضخمة قوامها 100 ألف جندي في دولة عربية إلي أجل غير محدد، بيد أن الجنرال أوضح في الشهادة التي أدلي بها أمام الكونجرس يوم الأربعاء الماضي أنه لم يعد لديه خيار سوي التركيز علي التهديد المباشر الذي يواجهه في الوقت الراهن ألا وهو العنف الطائفي الذي يهدد بتمزيق العراق إرباً إرباً. و"البنتاجون" التي طرحت لمدة طويلة فكرة أن القوات الأمريكية هي التي ستهزم التمرد في العراق، جعل تدريب القوات العراقية هو أولويتها العليا في الوقت الراهن. بيد أن المشكلة التي واجهتها في هذا السياق هي أن القوات العراقية لا يزال أمامها الكثير حتي تستطيع إيقاف العنف الطائفي -وذلك بسبب عدم كفاءتها واختراقها من قبل المليشيات الطائفية- وهو العنف الذي يقول القادة الأمريكيون إنه السبب الذي يدعوهم للاعتقاد بأن وجود القوات الأمريكية هناك لا يزال مطلوباً، وأنه من دون ذلك الوجود فإن البلاد ستسقط في هاوية حرب طائفية مدمرة. يوم الأربعاء الماضي أعلن الجنرال أبي زيد عن خطة لزيادة عدد المدربين الأمريكيين الملحقين بالقوات العراقية في خطوة يعتقد الخبراء العسكريون أنها من غير المرجح أن تؤدي إلي تحسين أداء تلك القوات بالدرجة التي تجعل الإجراء الأمريكي بخفض كبير في أعداد القوات هناك إجراء حصيفاً علي المدي القصير. ولكن الذي يحدث هذه الأيام أن أعداد القوات في العراق تزيد بدلاً من أن تنخفض، والدليل علي ذلك هو أن هناك عناصر من قوات "المارينز" المحمولة علي ظهر المدمرات الحربية العاملة في الخليج العربي يبلغ عددها 2,200 جندي قد بدأت في الانتقال إلي محافظة الأنبار المضطربة التي تقع إلي الغرب من بغداد وتعتبر المعقل الرئيسي للسُّنة. ويخشي البعض في "البنتاجون" من أن تصبح محافظة الأنبار التي تضم مدينتي الفلوجة والرمادي اللتين يسودهما العنف معرضة لخطر السقوط في أيدي الإرهابيين بسبب تركيز القوات الأمريكية حالياً علي شن هجوم علي المعاقل الأكثر عنفاً في العاصمة بغداد. ولكن الجنرال أبي زيد الذي يقول هذا هو نفسه أول من يدرك أن الاحتفاظ بأعداد كبيرة من القوات الأمريكية في العراق يمكن أن يكون هو العامل المساعد علي ظهور جيل جديد من الراديكاليين الإسلاميين الملتزمين بأجندة "الجهاد". وقال الجنرال "هادلي" الذي ألقي كلمة أمام مجلس الشيوخ عقب تلك التي ألقاها أبي زيد إن الوجود الأمريكي في العراق يعطي حياة لدعاية "القاعدة" التي تقوم بعد ذلك "بإساءة استخدام الأجواء المتوترة في العراق وتقديمها بصورة لا تمثل الواقع لباقي العالم العربي". ولقد رفض الجنرال "هايدن" رفضاً قاطعاً، وبشكل متكرر أن يصنف العراق بأنه "الجبهة المركزية في الحرب علي الإرهاب"، وهو الوصف الذي أطلقه مسؤولو إدارة بوش عليه. وفي مواجهة استجواب من "ليندسي جراهام" السيناتور "الجمهوري" عن ولاية "ساوث كارولينا"، أشار "هايدن" إلي العراق بدلاً من ذلك بأنه "يمثل جبهة في غاية الأهمية في تلك الحرب".