بعد مرور ثلاث سنوات ونصف علي غزو العراق، أصبح معظم علماء السياسة ومحللوها يقبلون بحقيقة أن العراق يخوض الآن غمار حرب أهلية. علي الرغم من ذلك نجد أن صناع السياسة يرفضون مواجهة عواقب هذا الأمر كما لا يحاولون الإجابة عن السؤال الرئيسي في هذا الشأن وهو: كيف يمكن تحقيق الاستقرار في العراق؟ وترجع أهمية هذا السؤال إلي أن استقرار دولة ورخاءها في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية تعتمد إلي حد كبير علي الكيفية التي انتهت بها تلك الحرب. فالقتال بين أطراف "الحرب الأهلية"، يمكن أن ينتهي بأشكال عديدة منها انتصار طرف علي باقي الأطراف أو التوصل لتسوية سلمية. من الناحية التاريخية نجد أن مثل تلك الحروب، كانت تنتهي عادة بانتصار طرف علي الطرف الآخر أو باقي الأطراف، مما كان يقود في غالبية الأحوال إلي سلام دائم. أما التسوية السلمية بين الفرقاء، فإنها وإن كانت هي النهاية المرغوبة عادة إلا أنه غالباً ما تكون قصيرة الأمد حتي لو تدخلت أطراف خارجية من أجل دعمها. والتسوية السلمية هي ما حاولت الولاياتالمتحدة تحقيقه في العراق خلال العامين الماضين، ولكن من الواضح أنها قد أخفقت في ذلك ولا تزال. وعملية كتابة وتبني دستور وانتخاب رئيس وبرلمان، كان مقصوداً بها منح كل طائفة من الطوائف التي ينقسم إليها العراق رأيا في شئون الحكم. وعلي الرغم من أن الأكراد والشيعة، قد شاركوا مشاركة كلية في العملية السلمية إلا أن السُنة لم يفعلوا ذلك، وهو ما يجعلهم ينظرون إلي الحكومة الحالية علي أنها غير ممثلة لهم ناهيك عن أن تكون حامية لمصالحهم. والاتجاهات السائدة في بلاد الرافدين حالياً، تشير إلي أن الأمور ستمضي علي درب التشظي. لذلك يمكن القول إن الدفاع عن استمرار التواجد الأمريكي في العراق من أجل تقديم المساعدة والتوصل إلي تسوية سلمية وتنفيذها يتجاهل حقائق الوضع الحالي كما يتجاهل السوابق التاريخية. من الناحية التاريخية كان النصر العسكري، علي العكس من التسوية السلمية يسفر عادة عن تحقيق أكثر المحصلات والنتائج استقراراً. والسبب في ذلك يرجع أن مثل هذا النصر كان عادة ما ينتهي ببقاء الطائفة المنتصرة القوية ذات الجيش القوي التي تصبح ممثلة للدولة في هذه الحالة، مما يضمن لها أنها هي ستحتكر الاستخدام الشرعي للقوة وبالتالي سيكون لديها القدرة علي تحقيق الاستقرار وإحلال السلام. وعلي الرغم من أن الولاياتالمتحدة قد بدت وكأنها قد نسيت مركزية فكرة سيطرة الدولة علي استخدام وسائل العنف عندما قامت بحل قوات الأمن العراقية، فإنها سرعان ما تعلمت من خطئها بعد ذلك وحاولت مع شركائها العراقيين إعادة بناء قوات الأمن العراقية من جديد. بيد أن المشكلة في هذا الصدد أن الوقت قد تأخر كثيراً علي قيام قوات الأمن العراقية بإعادة تأسيس الأمن في البلد مجدداً. فتلك القوات ينظر إليها الآن بشكل متزايد علي أنها "قوات شيعية" وهو ما يعني أن أزمة الثقة الموجودة بين الطوائف ستبقي بل ستتزايد وأن التحديات الخاصة بتحقيق الاستقرار ستزداد أضعافا مضاعفة. ما الذي يعنيه كل ذلك بالنسبة للدولة العراقية التي ستبرز في النهاية؟ سيعني أن دولة العراق التي عرفناها في السابق قد "انتهت". الولاياتالمتحدة، وبعد أن فقدت عدة فرص في غاية الأهمية لتأسيس حكومة ديمقراطية في العراق أصبحت تواجه في الوقت الراهن خياراً رهيباً هو المغادرة وتركن عرا الأمور تأخذ دورتها الطبيعية، أو أن تقوم بدلاً من ذلك بتوفير الدعم لدولة أو أكثر من الدول التي ستبرز من بين أنقاض الحرب الأهلية. فإذا اختارت أمريكا المغادرة في مثل تلك الظروف، فإن الشيعة سيصفون حساباتهم بوحشية مع السُنة قبل أن يستديروا بعد ذلك ضد الأكراد. وإذا ما قامت الولاياتالمتحدة بدعم الأكراد والشيعة علي أسس أخلاقية باعتبار أنهما الطائفتان اللذان تعرضتا إلي أشد أنواع العسف أيام صدام واللتان خذلتهما أمريكا أكثر من مرة فإنها ستخاطر بفقدان بعض من أهم الحلفاء الإقليميين مثل تركيا ومصر والسعودية وباكستان. من ناحية أخري، فإن عمل "الشيء الصحيح" (دعم الشيعة) يعني في الوقت ذاته القيام بالشيء الأكثر عملية وهو تأمين سلام مستقر وتأسيس إمكانيات طويلة الأمد لتحقيق الديمقراطية والتنمية الاقتصادية كما يمكن أن تحصل علي بعض الفوائد الدبلوماسية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. أما إذا ما قامت الولاياتالمتحدة بدعم السُنة، فإنها ستجد نفسها في وضع شبيه بوضعها في فيتنام وهو الكفاح من أجل ضمان بقاء نظام أقلية لا يمكن الدفاع عنه عسكرياً وكان وحشيا في السابق، ولا يوجد لديه أمل في كسب شرعية أوسع في الأراضي التي كانت تشكل ما كان يعرف بالعراق، مما يمكن أن يؤدي إلي زيادة احتمالات نشوب حرب مستقبلية وحدوث حالة من عدم الاستقرار الإقليمي حتي مع وجود أعداد ضخمة من القوات الأمريكية. لقد حان الوقت كي تبدأ الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في إجراء مناقشات معمقة حول المزايا النسبية المتعلقة بمغادرة العراق أو البقاء فيه أو المتعلقة بدعم السُنة أو الشيعة أو الأكراد إذا قررت البقاء.