قبل الحرب علي العراق كان هذا البلد العربي يصنف علي أنه يمتلك ثاني أكبر مخزون أو احتياطي بترولي في العالم، وبعد مضي حوالي ثلاث سنوات علي سقوط البوابة الشرقية للوطن العربي تشير بعض الاحصاءات إلي مفاجأة كبيرة وهو أن ما يمتلكه العراق حاليا من هذه المخزونات جعله يتراجع إلي ثالث أكبر البلاد امتلاكا لمخزونات بترولية.. والسؤال: كيف حدث ذلك خلال هذه الفترة القصيرة؟ خصوصا لأن ما يتم تصديره سنويا بعد الحرب يقل كثيرا عما كان يتم إنتاجه وتصديره بعد الحرب وهو ما يدفعنا إلي التساؤل: إلي أين ذهب هذا الجزء الكبير من مخزون العراق؟ والإجابة بالقطع لا تحتاج إلي الكثير من الاستنتاجات، فهناك عملية نهب منظمة لبترول بلد يعاني من أعتي الأزمات التي يمر بها في تاريخه. إخفاق وإفلاس وفي نفس السياق تساءلت بعض الصحف والمجلات العالمية وبعضها أمريكي عن إفلاس البترول العراقي أو الإخفاق في الاستفادة من هذه الثروة التي كانت من المفترض أن تسهم في تمويل عمليات إعادة الإعمار لبلد بات خربا يعاني نسبة كبيرة من شعبه من معدلات فقر مزمنة رغم أنه كان من أكثر البلاد ثراء حتي وبعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية التي استنفدت بالقطع الكثير من النفقات الباهظة وبدلا من ذلك تعيش البلاد حالة من الاختناق الاقتصاد يغير المبرر. وفشلت أمريكا وحلفاؤها الذين أقدموا علي غزو العراق في ضمان استئناف الصادرات حتي للمستوي الذي كان معروفا قبل الحرب. ولكن السؤال الكبير الذي يعيد طرح نفسه: أين ذهب احتياطي العراق من البترول؟ وكيف تراجع إلي المرتبة الثالثة رغم أن الصادرات المعلنة تقل كثيرا عن مستويات ما قبل الحرب رغم العقوبات التي كانت مفروضة عليه. سلب منظم والإجابة واضحة فعلي ما يبدو أن هناك عمليات منظمة لسلب هذا الاحتياطي وبالقطع بطرق غير شرعية ولا أحد يعرف إلي أن يتم توجيهها. ورغم أن بعض الوسائل الغربية تفسر ذلك ضمنيا بعمليات التهريب التي تقوم بها الميليشيات ومع افتراض صحة ذلك فلا يمكن أن نتصور أن مثل هذه الميليشيات نجحت في سلب كل هذه الكميات، وحتي مع افتراض صحة تورط الجهات الأمنية التي تقوم بتأمين خطوط نقل البترول التي تمتد عبر مساحات كبيرة عن طريق التغاضي عن حراسة بعض المناطق للسماح للميليشيات المسلحة بتهريب وسرقة جزء من البترول الذي يمر من حقول الإنتاج ومناطق التكرير عبر اَلاف من الكيلومترات وصولا إلي موانيء التصدير فلا يمكن تصديق نهب كل هذه الكميات. وتحاول وسائل غربية تصوير أن التسريب يحدث في موقع "بيجي" الموجود في المثلث السني والغرض كما هو واضح سياسي وهو توجيه تهمة تسريب جزء كبير من البترول العراقي إلي بعض الجماعات السنية ومدللين علي الكثير من حوادث التخريب والنهب التي وقعت في هذه المنطقة متجاهلين ان كميات هائلة من البترول تنهب في مناطق أخري تقع تحت سيطرة الغزاة، ويشيروا إلي أن عمليات السلب هذه أدت إلي تناقص الصادرات العراقية لأدني مستوياتها منذ الغزو وهو ما ساعد في تأجيج أسعار البترول ووصوله إلي مستويات قياسية عالميا. وقبل ثلاث سنوات أي قبل البدء في الغزو حلمت إدارة بوش في السيطرة علي ثاني أكبر مخزون من الاحتياطي البترولي في العالم وتصورت أنه بتحرير العراق سيتم تدفق المليارات من الدولارات الكفيلة بإعادة إعمار العراق ودفع ديونه التي تصل إلي 120 مليار دولار ولكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن فالجميع متورطون في عمليات التهريب والنهب والنتيجة هو تراجع الإنتاج من جانب وهبوط معدلات التصدير كنتيجة منطقية. ويظل السؤال يحوم ولا يجد إجابة شافية.. أين ذهب الاحتياطي البترولي العراقي؟ وهل تملك الميليشيات المسلحة التقنية الكافية رغم ما تحققه من بعض الانتصارات أن تقوم بنهب كل هذه الكميات؟ وهل صحيح ما تردده وسائل الإعلام بأن جيوش الغزاة غير قادرة علي حماية البترول العراقي الذي هو محور الصراع الرئيسي؟ فقد منحت الولاياتالمتحدة في أعقاب الغزو 40 مليون دولار مع ملاحظة هزالة الرقم رغم أهمية الهدف لتدريب 5500 من الكوادر الأمنية العراقية تكون مهمتها تأمين خطوط نقل البترول ومنشاَت الإنتاج والتكرير ثم عادت الولاياتالمتحدة وتعللت رغم ما سبقت الإشارة إليه من ضاَلة الرقم وعادت لتقول إن هذه التكاليف باهظة وعهدت بعمليات التأمين للقوات الأمريكية ومنذ ذلك الوقت أي منذ عام 2004 وتقوم هذه القوات بتأمين وحماية مصافي البترول، إلا أن الملاحظ أن هذه القوات لم تنتشر لتأمين خطوط أنابيب نقله البالغ طولها 7 اَلاف و700 كيلو متر. وما يؤكد ظنوننا أن الكونجرس الأمريكي عندما خصص 4.18 مليار دولار لإعادة إعمار العراق لم يخصص أي جزء من هذه المبالغ لتأمين البترول وبعد الانتخابات انتقلت حماية وتأمين هذه المنشاَت والخطوط إلي وزارة البترول العراقية وأصبح الكثير من المواقع عرضة للهجمات شبه الأسبوعية فيما لم تحرك القوات الأمريكية وحلفاؤها ساكنا. الكثير من التساؤلات عن مستقبل البترول والصادرات العراقية وعمن يقف وراء استنزاف أهم مصدر اقتصادي في العراق وعن عمليات النهب المنظمة وإلي أين تذهب هذه الكميات المسلوبة وهل بالفعل يتم استنزاف البترول العراقي من قبل العمليات المسلحة أم أن العراق أصبح ساحة مفتوحة لعمليات التهريب الدولية؟ والأهم هل يحدث ذلك بالتواطؤ مع أمريكا وحلفائها؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلي إجابات خصوصا من الولاياتالمتحدة المسئولة وفقا لاتفاقيات جنيف عن حماية ثروة العراق التي تمثل حاضره ومستقبله. الأمر يحتاج إلي تحقيق دولي بواسطة جهة مستقلة لتحديد المسئولية فحتي وقبل غزو العراق في عام 2003 ومع قيام نظام صدام المخلوع بتهريب أو منح عقود لسماسرة وبعض الدول بعيدا عن نظام برنامج "النفط مقابل الغذاء"إلا أن الاستنزاف الحالي وصل إلي ذروته ويهدد بسلب ثروة العراق بما يستدعي تدخلا عاجلا من المنظمات الدولية التي تحظي بمصداقية لطرح هذا الموضوع دوليتا وعلي نطاق واسع حفاظا علي مستقبل هذا البلد الممزق. وبصرف النظر عمن يتحمل المسئولية فلا يمكن تجاهل مسئولية القوات الغازية في التلاعب والتدليس الذي يصل إلي حد التعمد.