تبدو المرأة التي تقتحم ميدان الإبداع الأدبي في ظاهرها أكثر جذبا وإشراقا لمن يتأملها عن بعد من القراء، وذلك بحكم ما يوفره مجال الأدب للمبدع من انفتاح علي روافد ثقافية عديدة، وبما حباه الله من ملكات إبداعية تمنحه خصوصية يتفرد بها عن غيره، فضلا عن المكانة التي يحظي بها المبدع لدي الجمهور المتلقي أو في وسائل الإعلام التي تضعه في دائرة الضوء. الحقيقة أن طريق المرأة في الوصول إلي تعاطي الأدب وإبداعه ليس مفروشا بالورود كما يظن الكثيرون فهي تمشي فوق الأشواك لسنوات حتي تصل لقطف الورد، حيث تصادفها صعوبات شديدة التعقيد في رحلتها الأدبية وما إن تفلح في تجاوز عقبة منها حتي تصطدم بعقبات أخري أشد صعوبة. وربما يتبادر للأذهان عند الحديث عن الأشواك التي تمشي عليها الأديبة تنحصر في بعض الموروثات الثقافية التي تقف حجرة عثرة أمام حرية إبداع المرأة، وذلك بحكم ما درجت عليه الثقافة العربية من اعتبار المرأة كائنا مصونا لا يجوز له البوح عن مكنونات ذاته الإنسانية بينما يتاح البوح للرجل المبدع، والحقيقة أن هذه الإشكالية قد تجاوزتها مجتمعاتنا العربية وقد نجحت العديد من الأديبات في أن يفرضن أصواتهن الإبداعية علي الساحة في منافسة شريفة مع الرجل وتقبلها المجتمع قبولا حسنا ولكن تبقي الأشواك الأخري التي تصادفها المرأة في رحلتها الأدبية، فهي تسعي جاهدة لتزويد نفسها بزاد قوي من الثقافة المتنوعة التي تخلق لديها فكرا ورؤيا تنطلق منها لساحة التعبير الأدبي، وما إن تمتلك الأدوات الفنية للإبداع تنطلق والأمل يحدوها لتحقيق مجد أدبي في أجل زمني قصير لكنها تصطدم بالمشهد الثقافي الذي لا يعترف بالأصوات الشابة خاصة أن عالمنا العربي يخلو من وجود مؤسسات تتبني المواهب، وبالتالي لا يبقي أمامها من خيار سوي أن تحفر في الصخر لإثبات قدراتها الأدبية إلي حد الاضطرار إلي طبع مؤلفها علي نفقتها الشخصية ليكون بمثابة برهان مادي علي إبداعها تحصل به علي صك اعتراف بموهبتها. ولأن الساحة الثقافية شأن جميع القطاع ات الأخر ي تحكمها العلاقات الشخصية والشللية والواسطة فإن الأديبة الجادة تعاني الأمرين في الوصول إلي دور نشر تتبني إنتاجها، وربما يكون الرجل أوفر حظا في هذا الميدان بحكم ما يوفره له تكوينه الذكوري من سهولة إقامة علاقات شخصية سريعة ومتنوعة لا ينتقدها المجتمع وتفتح له الطريق لنشر إبداعه بسهولة، وذلك بخلاف المرأة التي تتحسب كثيرا عند إقامة علاقات عامة خشية موروثات ثقافية شديدة التعقيد لا تتحمل المرأة سلبياتها. ولا تتوقف العقبات عند هذا الحد بل تزداد تعقيدا عندما تتزوج المرأة الأديبة وتصبح مسئولة عن رعاية أسرة كاملة تحتاج منها وقتا أطول لرعاية الزوج وتلبية احتياجات الأطفال اللانهائية وأمام واجبها المقدس تجاه الأسرة فإنها تنفق معظم وقتها في رعايتها، ولكنها في المقابل تبذل جهدا مضاعفا خلال زمن قصير في مواصلة تنمية ثقافتها ومواصلة رحلة الكتابة. وهي وسط ذلك كله تجاهد من أجل اكتساب رزق من خلال أي عمل يوفر لها سبل الإنفاق علي مؤلفاتها، وذلك حتي لا تكون عبئا علي أسرتها. أعتقد أنه لولا إيمان الراسخ لدي المرأة من رسالة الأدب ما كانت تولدت لديها القدرة والتحمل علي المشي فوق الأشواك.