جاء اعتداء سلاح الجو الإسرائيلي علي القوات الالمانية المشاركة في اليونيفيل الذي اعتاد علي انتهاك الأجواء اللبنانية طيلة الأعوام الماضية ليجسد مخاوف العديد من الخبراء السياسيين الذين عبروا عن قلقهم من أن تتحول اليونيفيل إلي ورقة رابحة في يد الدبلوماسية الإسرائيلية . بدأ الأمر كله في أعقاب اتخاذ مجلس الأمن القرار 1701 ليضع حدا لحرب استمرت 34 يوما بين معاول الهدم الإسرائيلية بكل ما أوتيت من تكنولوجيا أمريكية متطورة وحزب الله اللبناني الذي حقق نتائج إعجازية بالصمود طوال هذه المدة أمام جيش نظامي بل وإلحاق خسائر مادية وبشرية جسيمة اعترف بها الاسرائيليون أنفسهم . المهم وضعت الحرب أوزارها وبدأت حرب من نوع اخر تشمل تصريحات سياسية وتحركات دبلوماسية انطلقت من الملعب الفرنسي . ففي تطور نوعي خطير صرحت وزيرة الدفاع الفرنسية ميشيل إليو ماري أن استراتيجية اليونيفيل بلبنان سوف تخضع لتغيير هو الأول من نوعه ولن تكتفي بدور المراقب لاستقرار الأوضاع وإنما قد تلجأ إلي الهجوم في حال تطلب الأمر ذلك . وساقت الوزيرة الفرنسية مثلا علي ذلك بأنه إذا تقابل جنود اليونيفيل مع مجموعة من مقاتلي حزب الله المسلحين فلن يطالب الجنود الدوليون رجال حزب الله بالتوقف والتجرد من أسلحتهم بل سيلجأون مباشرة إلي الهجوم . ومنذ هذه اللحظة بدأ الحديث عن أن اليونيفيل جاءت لخدمة اسرائيل . بمعني اخر عندما فشلت الدولة العبرية في القضاء علي حزب الله وأيقنت عدم جدوي الدخول في مواجهة عسكرية معه لجأت إلي الحيلة والدهاء . وكما تفرض الحكومة الإسرائيلية حصارا شاملا علي الحكومة الفلسطينية بما شنته من عمليات خطف واعتقالات للعديد من الوزراء والنواب الفلسطينيين بهدف تجميد حكومة حماس التي ترفض الاعتراف باسرائيل كدولة ، فرض وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيريتس حصارا بريا وبحريا وجويا علي لبنان مشترطا انتشار كامل للقوات الدولية والجيش اللبناني الضعيف علي الحدود اللبنانية الاسرائيلية قبيل فك هذا الحصار الشامل . وبات من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يلعب علي ورقة اليونيفيل لكي يخرج بإنجاز وسط عشرات الإخفاقات التي منيت بها بلاده سواء علي المستوي الاقتصادي أو العسكري إثر فشل عدوانها الغاشم علي لبنان . وبعد مرور قرابة الشهرين علي انتشار اليونيفيل بلبنان بدأت الطائرات الإسرائيلية تمارس هوايتها المفضلة باختراق الأجواء اللبنانية وعندما صرح الجنرال موجنميني قائد القوات الفرنسية التابعة لليونيفيل خلال مؤتمر صحفي بأن قواته لن تسمح بأية خروقات أو انتهاكات للقرار 1701 ولن تكتفي بلعب دور المتفرج بينما يواصل الطيران الإسرائيلي تحليقه فوق رؤوس الجميع _ قامت الدنيا ولم تقعد في اسرائيل وشن كتاب اسرائيليون بارزون نقدا لاذعا علي حكومة أولمرت زاعمين أن بيريتس أوهم الشعب الإسرائيلي بأن اليونيفيل جاءت لحماية الشمال الإسرائيلي كما يقول الكاتب الإسرائيلي أوري فورات في مقاله بجريدة يديعوت احرنوت " فجأة يتضح لنا بأن الإنجاز الذي سبق وتحدث عنه بيريتس لم يظهر ولم يجده أحد، وقوات اليونيفيل التي ظهرت وكأنها القوة الآتية للدفاع عن حدودنا الشمالية، ظهرت عمليا علي أنها القوة التي ستدافع عن الحدود الجنوبية لحزب الله " . وبالطبع اتضح أن التصريح الذي ادلي به مونجميني لم يكن إلا زلة لسان بدليل الاعتداء الذي تعرضت له البحرية الألمانية وكان في إمكان الأخيرة أن ترد عليه لكن لم يكن هذا ليحدث مادام المعتدي هو اسرائيل التي يتعامل معها المجتمع الدولي بمكيالين . ومرت الحادثة مرور الكرام واكتفي أولمرت بتقديم اعتذار عما حدث من سوء فهم أو هكذا اكتفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل لتبث رسالة تطمينية لكل الإسرائيليين الذين راودتهم الشكوك حول طبيعة مهمة اليونيفيل وظنوا خطأ أن هذه القوات قد تدافع عن الحدود الجنوبية للبنان ! .