في مقالهما المعنون "عززوا بغداد" يري كل من "ويليام كريستول" و"ريتش لواري" أن الولاياتالمتحدة بحاجة إلي نشر "أعداد أكبر بكثير من القوات في العراق من أجل تحقيق الاستقرار في هذه الدولة". وفضلاً عن الغموض الاستراتيجي للمقترح الوارد في مقالة "كريستول" و"لواري" تلك والتي نري أنه كان من الأفضل عنونتها "تعزيز الفشل"، فإن هناك عقبة عملية تتعلق به ولكنهما أغفلاها وهي أن إرسال المزيد من القوات إلي العراق في الوقت الراهن سيهدد بنية الجيش الأمريكي المكون كله من متطوعين ويقوض أمن أمريكا القومي بالتالي، وهي مخاطرة لا تملك أمتنا ترف الإقدام عليها في الوقت الراهن. وفي إطار بحثهما عن قوات ومعدات إضافية للعراق فإن المكان الأول الذي كان لابد لأنظار "كريستول" و"لواري" من الاتجاه إليه هو الجيش العامل. ولكن آثار الإجهاد تبدو واضحة علي هذا الجيش العامل حتي بمعدلات الانتشار الحالية. ففي شهر يوليو الماضي كشف تقرير رسمي أن ثلثي الجيش العامل كانا مصنفين تحت الصفة "غير جاهز للقتال". وعندما يقوم المرء بالمزج بين هذه الأنباء وبين حقيقة أن ثلث عدد الجيش العامل تقريباً منتشر بالفعل مما يعني أنه "جاهز للقتال"، فإنه سيخرج بنتيجة مُفزعة وهي أن الجيش العامل لا يوجد لديه أي لواء جاهز للقتال في الاحتياطي. والمكان الثاني الذي يمكن البحث فيه عن قوات ومعدات هو الحرس الوطني وقوات الاحتياط. ولكن الوضع هنا أسوأ من وضع الجيش العامل حسب تصريح قائد الحرس الوطني ذاته. إن الضغط الواقع علي جنودنا بسبب الحرب التي يخوضونها في أفغانستان والعراق كان كبيراً. . فكل لواء مقاتل تابع للجيش العامل خدم علي الأقل دورة خدمة واحدة علي الأقل في العراق أو في أفغانستان، والكثير منها خدم دورتين وربما ثلاثاً. وعلي نفس المنوال نجد أن الغالبية العظمي من جنود الحرس الوطني وقوات الاحتياط قد تم استدعاؤهم للخدمة منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبعضهم تم استدعاؤه أكثر من مرة. وهكذا فإن الحقيقة البسيطة التي تواجهنا هي أن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها ل"كريستول" و"لواري" وضع خطتهما موضع التنفيذ خلال أي فترة قريبة، دون اللجوء إلي نظام التجنيد الإجباري وبالتالي تفكيك جيشنا الحالي القائم علي نظام التطوع وهذا حسب اعتراف الكاتبين نفسيهما مسألة يمكن أن تكون كارثية من الناحية الاستراتيجية هو مطالبة جنودنا الحاليين بالمزيد من الأداء وذلك عن طريق زيادة سرعة الوتيرة التي يتم بها تدريبهم أو التي يتم بها استبدالهم. وعلي الرغم من أنه لا يوجد هناك أدني شك في أن الجنود سيستجيبون إلي نداءات الواجب بصرف النظر عن معدل تكرارها، إلا أن الأمر المشكوك فيه هو أن يتم تزويدهم بالتدريب والعتاد اللازمين لتنفيذ المهام المطلوبة منهم بالشكل المطلوب في المدي القصير. علاوة علي ذلك نجد أن الأعباء طويلة الأمد علي نفقات ونوعية تلك القوات يمكن أن تؤدي في النهاية إلي التأثير سلباً علي كفاءتها نتيجة لعدم قدرتها علي مواجهة تلك الأعباء. لماذا؟ أولاً، لأن النقص في المعدات الذي يعاني منه الجيش الأمريكي في الوقت الراهن يجعل مسألة تدريب أفراد ذلك الجيش أكثر صعوبة حتي بالمعدلات الحالية. وقد قامت القوات المسلحة في إطار محاولتها لتعويض هذا النقص في المعدات التي تقدر قيمتها ب50 مليار دولار من خلال القيام بشحن بعض المعدات إلي العراق علي الرغم من حاجتها إليها لتدريب القوات الاحتياطية والتي لم يتم نشرها. ويجب علينا أن نعلم أيضاً أن مضاعفة عدد القوات التي يتم نشرها ستؤدي إلي مفاقمة مشكلة الجاهزية، ولن تترك لدي الجيش سوي فائض قدرة ضئيل للاستجابة للصراعات الأخري حول العالم والتي قد تتطلب من الولاياتالمتحدة عملاً عاجلاً ومباشراً. ثانيا، إن الأكلاف بعيدة الأمد للاعتماد الزائد علي قواتنا البرية في تنفيذ المهام القتالية التي لا تحظي بالشعبية ستكون لها آثارها السلبية علي كفاءة تلك القوات. علاوة علي ذلك فإننا نجد أن مضاعفة حوافز التجنيد أربع مرات منذ عام 2003 لم تكن كافية لاستقطاب أعداد مناسبة من الرجال الموهوبين والنساء الموهوبات للوفاء بأهداف الاحتياجات البشرية للجيش. وعلي الرغم من أن الجيش قد قبل جنوداً لم يحصلوا علي معدلات اللياقة المطلوبة، كما رفع الحد الأقصي لسن التجنيد إلا أنه لا يزال مطالباً بمنح إعفاءات لمجندين تتراوح نسبتهم ما بين واحد في المئة إلي خمسة في المئة من المجندين الجدد لتقليل نسبة الجنود الذين يتم إخراجهم من الجيش خلال مدة التدريب بسبب عدم قدرتهم علي التكيف مع الحياة العسكرية. وعلي الرغم من أننا نختلف مع ما ذهب إليه كل من "كريستول" و"لواري" ومؤداه أن إرسال المزيد من القوات إلي العراق هو الكفيل بتحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد، فإننا نؤمن في نفس الوقت بأن جيش الولاياتالمتحدة وحرسها الوطني وقواتها الاحتياطية، يجب أن تكون لديها القدرة علي الاستجابة لمثل هذه الخطط أو غيرها من خطط الانتشار دون أن تتعرض للضغط والإرهاق ودون أن تتكبد أكلافاً طويلة المدي. والحل هو أن نكون قادرين علي القيام بشيئين لم تتمكن إدارة بوش من القيام بهما وهما: زيادة عدد القوات في الجيش العامل بشكل دائم. وتمويل احتياجات الجيش من المعدات بالكامل. فليكن هذا إذن، وليس إنفاق المزيد من الدماء والأموال علي أرض العراق، هو ذلك العمل الشجاع من أعمال القيادة التي يرغب فيها كل من "كريستول" و"لواري".