سباق الحرب والسياسة علي الساحة اللبنانية دخل مراحل حاسمة، ولذلك كثفت كل الاطراف المباشرة وغير المباشرة من جهودها وامكانياتها من اجل تحقيق نقاط حاسمة تدعم مواقفها في هذا السباق. فعلي الصعيد العسكري استطاع حزب الله تحقيق انجازات عسكرية مهمة عبر استمراره في اطلاق الصواريخ علي شمال اسرائيل والتي بلغت 2840 صاروخا، حتي يوم الاحد الماضي، وهناك امكانية لزيادتها لتتصدي حاجز الثلاث الاف صاروخ، وهو ما يتعدي تقديرات اسرائيل حول ترسانة حزب الله الصاروخية. ولعل اكبر الضربات التي لحقت باسرائيل جراء صواريخ حزب الله تلك الضربة المباشرة التي قتل فيها 12 ضابطا وجنديا بالقرب من بلدة كريات شمونة. ردود الفعل الاسرائيلية سواء الرسمية او الشعبية اشارت الي صدمة كبيرة، خفضت سقف التوقعات من إلحاق هزيمة ساحقة بحزب الله، والقضاء الكامل علي امكانياته القتالية، وسادت اجواء التشاؤم حول امكانية انتهاء تلك الحرب بهزيمة واضحة لحزب الله. وحتي العملية التليفزيونية التي جرت في منطقة بعلبك في شمال لبنان والتي جري خلالها تموين الطائرات الهليكوبتر بالوقود في الجو، قد فشلت في تحقيق الانتصار الذي كانت الحكومة الاسرائيلية تتطلع اليه عبر القاء القبض علي زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله، وتحرير الجنديين الاسيرين، حيث كانت المعلومات الاستخباراتية تشير الي وجودهم في مستشفي تابع لحزب الله في بعلبك، ولكن تبين عدم صحة تلك المعلومات في عملية فشلت في تحقيق نتيجة حاسمة تنهي الحرب بانتصار اسرائيلي. الوحدة اللبنانية وبعد مرور قرابة الشهر علي العدوان فان الرهان الاسرائيلي الاخر بانقسام الساحة السياسية اللبنانية التي تشهد بالفعل خلافات سياسية كبيرة ، لم تتحقق بل علي العكس تراجعت تلك الخلافات ورفضت حتي الاحزاب والقوي السياسية المعارضة لحزب الله اجراء اي محاسبة او انتقاد الان لحزب الله في ظل العدوان الاسرائيلي الذي وحد الشعب اللبناني، لان القنابل والصواريخ الاسرائيلية ببساطة لم تفرق بين لبناني مؤيد لحزب الله وآخر معارض له. خطة السنيورة ومع صمود حزب الله وفشل اسرائيل في الحصول علي انتصار حاسم وتوحد الموقف اللبناني ، اصبحت خطة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة المكونة من 7 نقاط تشكل معالم الحل السياسي للازمة، وجمعت حولها توافقا سياسيا كبيرا، حيث ارتكزت علي نقاط اساسية في مقدمتها، الانسحاب الاسرائيلي من المناطق المحتلة والعودة الي خلف الخط الازرق. الانسحاب من مزارع شبعا تمهيدا لفرض الدولة سلطتها جنوب نهر الليطاني ، باعتبار ان احتلال اسرائيل لمزارع شبعا يشكل سببا رئيسيا لوجود المقاومة، علي ان تبقي تحت سيطرة الاممالمتحدة الي ان يتم تحديد ملكيتها لسوريا ام لبنان، لكن المؤكد انها ليست لاسرائيل التي احتلتها عام 1967. وتطبيق اتفاق الطائف وحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وبسط سلطة الدولة علي كامل اراضيها. تطبيق القرارات الدولية بدءا من القرار 425 الي القرار 1680 مرورا بالقرار 1559 . اعادة النازحين الي جنوب لبنان وتقديم مساعدات عاجلة لاعادة الاعمار. التفاوض عبر الحكومة اللبنانية لحل مشكلة الاسري الاسرائيليين وكذلك الاسري اللبنانيين في السجون الاسرائيلية. الدعم العربي وفي ظل هذه الخطة التي حظيت بدعم لبناني جاءت مبادرة الجامعة العربية المهمة بعقد اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في بيروت كأهم خطوة عربية في ظل استمرار العدوان الاسرائيلي والاهم انها استبقت التحرك الدولي ومحاولة تمرير قرار مجلس الامن الذي اصبح يحظي بدعم امريكي فرنسي روسي. واذا كان الموقف اللبناني ممثلا في خطة السنيورة قد استند علي اجراءات عاجلة خاصة بالموقف اللبناني والاعتداءات الاسرائيلية عليه، فان الموقف العربي كما جاء من خلال قرارات وزراء الخارجية العرب قد استهدفت طرح القضية العربية بصورة شاملة. فعدم التجاوب مع خطة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت العربية وتم التأكيد عليها في القمم العربية التالية، ورفض اسرائيل بدعم امريكي لهذه الخطة واجهاض خطة الطريق التي حظيت بدعم دولي، قد ادي الي التدهور في المنطقة واحباط الشعوب العربية ودعم تيار المقاومة في ظل فشل ما يسمي بعملية السلام. وبالتالي فان المشكلة ليست في وقف اطلاق النار بل في استمرار السياسة المنحازة للمصلحة الاسرائيلية في النزاع العربي- الاسرائيلي. دعم الموقف اللبناني بشكل كامل وتوجيه رسالة للعالم بهذا الشأن والتوصل الي وقف فوري للعدوان الاسرائيلي وانسحاب القوات المعتدية الي خلف الخط الارزق، والتفاوض لتبادل الاسري طبقا لما جاء في خطة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والتي اعلنها في مؤتمر روما. مكافأة اسرائيل في مجلس الامن وفيما نجح العالم العربي في اظهار موقف موحد خلف لبنان، كانت المشاورات والمفاوضات التي تجري في اروقة مجلس الامن علي اشدها في محاولة لتمرير مشروع القرار الامريكي الفرنسي والذي حظي بدعم روسي مفاجئ وجاءت ردود الفعل العربية الرافضة وهذا القرار مبنية علي عدة اسس. فالقرار لا يدعو لانسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها من جديد في جنوب لبنان، ويدعو فقط لوقف الاعمال القتالية وهو صيغة مختلفة عن وقف فوري لاطلاق النار. وبذلك فالقرار يكافئ اسرائيل ويسمح لها باعادة احتلال اجزاء من لبنان ويعيد الاوضاع الي ما كانت عليه قبل انسحابها من لبنان في 24 مايو عام 2000. كما ان القرار حسب وصف رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري هو "مشروع فتنة داخلية"؛ لانه يضع اسس تصفية حزب الله ونزع سلاحه، قبل انسحاب قوات الاحتلال وينوط بقوات دولية تنفيذ هذه المهمة. وهناك غموض حول طبيعة تلك القوات الدولية وعما اذا كانت ستعمل باوامر من الاممالمتحدة ام لجهات اخري مثل حلف الاطلسي. ثم اغفل القرار فضيحة مزارع شبعا، علي الرغم من اعتراف اسرائيل بانها ليست اراضي فلسطينية ولا تدعي ملكيتها فهي اما سورية او لبنانية. اغفال قضية النازحين اللبنانيين من الجنوب وعددهم اكثر من مليون تركوا قراهم ومنازلهم، وبالضرورة ان اعادتهم تستدعي انسحابا كاملا لاسرائيل وايقاف الاعتداءات التي استهدفت المدنيين حيث قتل قرابة الف مدني لبناني جراء المذابح الاسرائيلية المتتالية. المرحلة التالية وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزارايس كشفت معالم التفكير الامريكي بحل المشكلة علي عدة مراحل، حيث تكون المرحلة الاولي وقف العنف، وهذا يعني بقاء اسرائيل في مواقعها ، كما يسمح هذا القرار غير العادل لاسرائيل بمواصلة اعتداءاتها علي الشعب اللبناني تحت ذرائع مختلفة، مثل قيام المقاومة اللبنانية بأي عمليات ضد قوات الاحتلال وهذا امر مشروع، وبالتالي فقرار مجلس الامن لا يحل المشكلة من جذورها، وانما يتبني سياسة الحل علي مراحل لتصدير الخلافات الي الساحة اللبنانية التي ظلت موحدة حتي الان، ومساعدة اسرائيل في الحصول علي نصر سياسي وهو ما عجزت عن تحقيقه بالحرب والعدوان.