بانقضاء أسبوع علي العدوان الإسرائيلي، من الواضح ان "حزب الله" يعتبر ان العدوان فشل حتي الآن لانه لم يحقق أهدافه تجاه الحزب. قراءة "حزب الله" للنتائج حتي الآن وبالفعل، وبحسب ما يعلنه مسئولون في "حزب الله"، فإن البنية السياسية والتنظيمية والعسكرية واللوجستية للحزب لم تُصب، ولم تتمكن إسرائيل من توجيه ضربات "مؤلمة" اليها. وبحسب الحزب ايضاً، فإن التدمير الإسرائيلي لمنطقة الضاحية الجنوبية من بيروت، وتحديداً ل"مربع" القيادة لم ينجح في المسّ بالبنية القيادية. والقصف المتوالي علي مختلف المناطق لم ينجح في قطع خطوط الإمداد العسكرية والتموينية. والمحاولات الإسرائيلية لاختراق الحدود اللبنانية براً، لا سيما في الجنوب، رُدّت علي أعقابها. وفوق ذلك فإن القدرة الصاروخية والنارية للحزب لا تزال علي حالها بدليل القصف المتصاعد الذي يقوم به لمدن ومنشآت ومقرات في "العمق الإسرائيلي". وإذ يعترف "حزب الله" بحسب المسئولين فيه بأن ثمة "نقطتَي ضعف" هما التدمير المنهجي للبني التحتية من ناحية والمأساة الانسانية متمثلة بالخسائر في الأرواح البشرية وبالنزوح والتهجير من ناحية ثانية، فإنه يعتبر ان العدوان الإسرائيلي فشل. وهو أكثر من ذلك يراهن في "السياسة" علي ثلاثة أمور: الأول هو قدرة البلد علي مواصلة الصمود واضطرار المجتمع السياسي اللبناني إلي الالتزام بسقف "حزب الله" طالما ان العدوان مستمر.. والثاني هو التأثير الذي يمكن لقصف "الداخل الإسرائيلي" أن يحدثه داخل إسرائيل مما يمكن أن يفرض نفسه علي القيادة الإسرائيلية.. والثالث هو التفاعل بين "الشارع" العربي والإسلامي مع الصمود اللبناني الذي يمكن أن يؤدي إلي تطور ما في الوضع العربي.. والدولي حتي. طبعاً، لا نقاش في ان القدرة القتالية لحزب الله في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية "تبدو" بعد مرور أسبوع علي العدوان، في حالة جيدة و"سليمة". كذلك، لا نقاش في ان "معنويات" مقاتلي الحزب مرتفعة وهم يخوضون أول معركة "وجودية" من نوعها منذ نشوء "المقاومة الإسلامية" قبل نحو ربع قرن في قلب الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 وبعده مباشرة. بيد ان ما يستحق النقاش فعلاً هو ما يتعلق ب"الأمور" الاخري. ذلك انه وفي خضمّ حرب ما، لا يمكن فصل "العسكري" عن "السياسي" و"الاجتماعي" و"الاقتصادي" والانساني"، تماماً لان الحرب فيها كل هذه "الجبهات" مجتمعة، ولان الحرب لا تُربح عسكرياً كما لا تُخسر عسكرياً فقط. فإذا كان "حزب الله" يعتبر ان هناك نقطتَي ضعف أو مصدرين ل"الألم" هما التدمير الذي حصل للبني التحتية من جهة والأرواح البشرية والنزوح من جهة اخري، فإن الأمرين المذكورين ليسا فقط مجرّد نقطتَي ضعف. فأن تكون هذه الخسائر حصلت في مدي أسبوع، فذلك يعني انها يمكن أن تتضاعف مرات عدة في مدي أطول. وإذا كان الموقف "الاجتماعي" للناس بما هو الهجرة من مكان إلي مكان أو بما هو التذمّر من الحالة، لم يقترن حتي الآن بموقف "سياسي"، فذلك لا يعني ان ذلك غير وارد حصوله في مرحلة ما من الحرب. وبطبيعة الحال، ليس مقصوداً هنا القول ان "ناس المقاومة" سينقلبون عليها أو انهم سيتخلون عنها، لكن المقصود بالضبط هو ان "ناس المقاومة" الذي يدفعون ثمناً باهظاً جراء العدوان، لن يكون في وسعهم تحمّل الكلفة إذا طالت الحرب.. فكيف إذا كان الذين يدفعون الثمن الباهظ ليسوا فقط "ناس المقاومة" بل كل اللبنانيين من مختلف البيئات؟ ذلك ان الحرب التي تدور الآن علي ساحة لبنان، وإن كانت معلنة بصفتها حرباً بين إسرائيل و"حزب الله"، انما هي حرب إسرائيلية علي لبنان كله. وعليه، ليس في وسع "حزب الله"، لا احتساب "الناس" في ميزان القوي أي في ميزان قوي المواجهة مع إسرائيل، ولا إسقاطهم من الحساب في المقابل.. أي انهم الناس قد لا يكونون عاملاً مؤثراً ايجاباً في احتساب ميزان القوي في حين انهم قد يكونون عاملاً مؤثراً سلباً في "لحظة" معينة. أما الرهان علي تطورات سواء علي صعيد الشارع العربي والاسلامي أو علي صعيد الشارع الاسرائيلي أو علي مستوي الشوارع الدولية، فهو في "السياسة" رهان علي سراب. ذلك ان هذه التطورات وقد بدأ بعضها بالفعل، ستبقي غير قابلة ل"الصرف" السياسي ما لم تحدث تغييرات في موازين السياسات الداخلية في بلدانها. ولذلك، ففي حساب ميزان القوي مرة أخري ، تدخل مواقف الدول. أما التغيير، فيبقي احتمالاً قائماً في كل الظروف، أثناء الحرب الدائرة، لكن بعدها علي الأرجح. طبعاً، في ظروف مختلفة، وبعض هذه الظروف كان أفضل عربياً ودولياً، حصل أثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان وصولاً الي بيروت في العام 1982، أن تظاهر نحو أربعمائة ألف اسرائيلي من أنصار "السلام" في شوارع القدسالمحتلة تضامناً مع اللبنانيين والفلسطينيين واحتجاجاً علي الاجتياح. لم يتغير شيء. وفي المرحلة نفسها خرج الآلاف من العرب في مصر واليمن والجزائر والمغرب الي الشارع للغاية نفسها. لم تتغير "السقوف" السياسية، وذلك بالرغم من أن العنوان كان القضية الفلسطينية الحساسة جداً لدي الشعوب العربية، وانّ منظمة التحرير الفلسطينية كانت لا تزال في أوجّ صورها "المشرقة" عربياً. وفي العام 1982 أيضاً، وبالرغم من التعاطف الشعبي اللبناني الكبير مع "المقاومة الفلسطينية"، في شطر من البلاد المنقسمة علي نفسها آنذاك، لم يكن في مقدور اللبنانيين المتعاطفين مع "المقاومة الفلسطينية" سوي أن يودّعوا منظمة التحرير وقائدها الراحل ياسر عرفات بالدموع وهي تبحر في السفن باتجاه المنافي قبل أن تعود مجدداً الي فلسطين بعد سنوات. ان المرور بهذه المرحلة التاريخية، مرحلة العام 1982، لا يهدف بداهة الي مطابقة شيء علي شيء، لكنه يهدف الي تسليط الضوء علي كيفية مقاربة مسألة توازن القوي، وكيفية "فعل" توازن القوي في مجري الأحداث ونتائجها السياسية. وهذا يقود مباشرة الي نقطة سياسية جوهرية يجدر أخذ مختلف أبعادها في الاعتبار. في "لبنان السياسي"، ليس خافياً ان الاجماع اللبناني علي إدانة العدوان الاسرائيلي ومجازره ونتائجه التدميرية، لا يعكس اجماعاً علي "المرحلة الحالية" من المقاومة، الأمر الذي كان وراء سجال فحوار علي مدي السنوات الست الماضية. كذلك ليس ثمة قناعة إجماعية بأن الحرب الدائرة الآن كانت محتمة أو قدراً لا فكاك منه. وثمة شطر واسع من الاجتماع السياسي ومن المناخ الشعبي، كان ولا يزال يري ان البلد لم يكن بحاجة الي عملية عسكرية في هذا التوقيت ليعيد اكتشاف حقيقة ان اسرائيل عدو. يمكن الاسترسال أكثر من ذلك في التوصيف. غير ان ما يمكن قوله هو ان الاجماع ضد اسرائيل وعدوانها لا يعني اجماعاً علي "حرب حزب الله" من الضفة المواجهة للعدوان في المقابل. ويعتمد الحزب علي نفسه أي علي قدراته القتالية، ويستند الي جزء من المجتمع السياسي اللبناني، وهو مدعوم من دمشق وطهران اقليمياً.. فيما الرهانات التي جرت الاشارة اليها آنفاً ليست "فعلية" بالصلة مع مسألة توازن القوي.