تشكل مهرجانات السينما اهمية كبري لدي بلدان العالم.. حيث تحظي باهتمام خاص من حكومات ومسئولين وهيئات، ومرجعية ذلك تعود للوعي بان النشاط السينمائي له مردود ايجابي. فنجد الفعاليات التي تصاحب اقامة المهرجان اضافة لتواجد نجوم سينما عالمية ومحلية يكونون مصدر اهتمام وملاحقة من جمهور هذه البلدان الي جانب تغطية اجهزة الاعلام بجميع مستوياتها لانشطة المهرجان وضيوفه من نجوم- نقاد- مبدعين.. وهو ما يؤثر بالايجاب لدي الدول التي يقام علي ارضها مهرجانات السينما، كما انه ينقل الي العالم صورة حضارية تعبر عن ثقافة وفنون هذه الدول.. اضافة الي عنصر مهم ذلك هو استثمار الدول لزمن وفترة المهرجانات في تسويق وعرض لملامح وسمات هذه الدول عبر اجهزة الاعلام التي تتابع انشطته وهي اعلانات غير مباشرة وغير مدفوعة الاجر. لذا يكون هناك حرص من الجميع لدعم هذه المهرجانات بجميع السبل، اما عن طريق رئاسة الدولة ذاتها، او حكومات وهيئات ووجدنا هذا في أكبر المهرجانات العالمية "كان- برلين- فينسيا".. وحتي مؤخرا وجدنا دولا مجاورة تقيم مهرجانات سينمائية "دمشق- دبي- مراكش" وتكون تحت رعاية مباشرة من رأس الدولة. وعندما يتقدم الاستاذ شريف الشوباشي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي باستقالة مسببة الي وزير الثقافة الفنان فاروق حسني.. لضعف الامكانيات والميزانية المحدودة مما لا يتيح له العمل علي اخراج المهرجان بالصورة التي يرضاها او يتمناها.. وبما يليق باسم مصر خاصة ان المهرجان له صفة دولية ومكانة عالمية، كواحد من اهم خمسة عشر مهرجانا عالميا وترتيبه الحادي عشر.. ومعلوم لدي جميع الاطراف.. ان الرئيس السابق للمهرجان الفنان حسين فهمي قد استقال للسبب ذاته. ونضيف بان الاستاذ رءوف توفيق رئيس مهرجان الاسكندرية السينمائي لحوض البحر المتوسط قد تقدم باعتذار عن عدم رئاسة المهرجان للدورة الحالية بسبب ضعف الميزانية وقلة الامكانيات وهو لا يحقق طموحاته نحو النهوض بالمهرجان بما يليق بمدينة الاسكندرية التي يحمل اسمها. وعلي الرغم من هذا نجد القائمين علي هذه المهرجانات من عناصر خبرة وشباب متحمس يعملون بشكل جاد ويبذلون الجهد من اجل التغلب علي المعوقات التي تعود في الاساس لقلة الامكانيات.. اذكر في هذا المقام انني سألت صديقا من امارة دبي عندما نما الي علمي انهم يحضرون لمهرجان سينمائي في دورته الاولي.. وتعجبت من هذا الامر نظرا لعدم تواجد سينما هناك، او نشاط سينمائي بشكل عام.. وكانت دهشتي عندما اجاب.. ان اقامة المهرجان هو استكمال لمنظومة التسوق التي تقام مرتين في العام الواحد.. وتحقق رواجا اقتصاديا وسياحيا كبيرا ومهرجان دبي السينمائي هو احد هذه المحاور من اجل تعظيم النشاط التسويقي للامارة- وهو ما يتحقق ايضا في مهرجان مراكش التي اصبحت بعدها المغرب احد اهم دول المنطقة في تقديم الخدمات السينمائية لشركات الانتاج العالمية كما انه تيسر لهم العمل في تصوير الافلام علي ارض المغرب مما يعود عليها بنتائج اقتصادية وثقافية مبهرة. وحاليا تطور امارة دبي من نشاطات اعلامية- سينمائية- تليفزيونية، عبر مدينة اعلامية كبري، قد تنافس وتتجاوز بمراحل مدينة الانتاج الاعلامي في مصر التي كم تغنينا بها كثيرا. وعندما نشاهد في الفترة الاخيرة اعلانا يبث عبر قنوات محلية وفضائية للترويج سياحيا- ونورت مصر- علي الرغم من تواجد نجوم سينما تم الاستعانة بهم في هذا الاعلان ويعرفهم عالمنا العربي فقط وحتي النجم العالمي عمر الشريف الذي يحظي بشهرة عالمية قد تم رفع صورته من الاعلان في الفترة الاخيرة. ونعجب من ان وزارة السياحة لو شاركت في دعم مهرجانات السينما الدولية التي تقام علي ارض مصر واستثمرت هذا الحدث العالمي.. لتحقق لها نتائج تفوق كثيرا اعلان- نورت مصر. الواقع ان القضية اكبر بكثير من دور لوزارة الثقافة بمواردها المحدودة ولا ينكر احد قيامها بدعم المهرجانات السينمائية ومهرجانات اخري. لكننا نجد من وجهة نظرنا ان الامر يتطلب رعاية الحكومة ووزاراتها المختلفة من اجل استثمار هذا الحدث الذي يحظي بقبول كبير، وتغطية اعلامية- محلية- عالمية- ولو تم الحرص والسعي من اجل تواجد نجوم سينما عالمية لهم المكانة والشهرة.. لكانت الفائدة اكبر وهو ما يحدث في مهرجان دبي- مراكش. ايضا قد نتعجب من رجال اعمال يتعاملون في انشطة اقتصادية بالمليارات ويرصدون عشرات الملايين لبند الدعاية والاعلان لانشطتهم- ولا يخطر في بال واحد منهم دعم مهرجان سينمائي يحقق لهم دعاية واعلانا يفوق كثيرا اعلانات تنشر في جرائد ومجلات. استقالة رؤساء لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.. ورئيس مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي.. هو مؤشر خطير يؤدي لسحب البساط من تحت اقدامهم وتراجع لمكانة مصر الثقافية والفنية.. وترك مهرجانات مجاورة في اخذ المبادرة لتعظيم شأن مهرجاناتهم السينمائية التي تدعم بعشرات الملايين من الجنيهات تقدمها حكومات هذه الدول.. لانها ببساطة تعي وتعلم جيدا كيف تستثمر انشطة السينما الساحرة في صالح دولها. قد لا نوجه اللوم لوزارة الثقافة وحدها.. لكننا نجد ان المسئولية تتخطي وزارة بمفردها بل تشمل تعاونا لوزارات اخري مثال الاستثمار- السياحة- الاعلام- التعاون الدولي- الخارجية.. وغيرها ومؤخرا نجد الحزب الحاكم ولجانه الرئيسية ينادي بالاصلاح خاصة الاصلاح الاقتصادي وهناك مؤتمرات تعقد لهذا الشأن.. لكننا لم نجد في هذه البرامج الاصلاحية ذكر لكلمة ثقافة، وفنون ولم نسمع تصريحا لمسئول حكومي او حزبي يعبر عن اهتمام بالانشطة الثقافية والفنية او تتواجد علي اجندة الاصلاح المنشود. وكم لعبت الاغنية والفيلم المصري ادوارا في فترات خصبة من تاريخ مصر فهل لنا ان نستعيد هذا الدور من خلال اهتمام الدولة بهذه الانشطة ومنها مهرجانات السينما التي اخشي ان نفقدها قريبا.