أمر محزن ولكنه ليس مفاجئا أن الشباب الأمريكي لا يفقه في الجغرافيا كثيرا. فقد كشف استطلاع للرأي أجري مؤخرا أن أكثر من نصف المستجوَبين، والبالغ عددهم 510 أشخاص ممن تتراوح أعمارهم ما بين 18 و24 عاما، لم يتمكنوا من تحديد مكان السعودية أو العراق علي الخريطة. كما لم يتمكن تسعة من أصل عشرة أشخاص من تحديد مكان أفغانستان. أما علي الصعيد الداخلي، فقد نجح 67% من المستجوبين في تحديد مكان لويزيانا، فيما تمكن نصفهم فقط من تحديد مكان ميسيسيبي. وهو ما يعني أن أكثر من ثلث أولئك الذين تم استطلاع رأيهم لم يتمكنوا من التعرف علي مكان الولايتين، وذلك بالرغم من كل الاهتمام الذي استأثرت به المنطقة علي خلفية إعصار السنة المنصرمة. كانت هذه بعض من نتائج دراسة حول الثقافة الجغرافية العامة لعام 2006 أنجزتها مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" للتربية بالتعاون مع مؤسسة "روبار للشئون العامة". وقد تم الإعلان عن هذه النتائج في وقت سابق من هذا الشهر. العديد من أسئلة الاستطلاع تمحور حول مناطق شهدت أحداثا مأساوية، من قبيل الحرب علي العراق عام 2003، وتسونامي في إندونيسيا عام 2004، وزلزال 2005 في باكستان... وبعبارة أخري، فقد كانت تلك أحداثا كبري استأثرت باهتمام العالم، وحظيت بقسط وافر من تغطية وسائل الإعلام المختلفة؛ من جرائد ومواقع إنترنت ومجلات مرفوقة بصور خرائط توضح مكان هذه الدول علي الخريطة. والحال أنه بالرغم من كل الاهتمام الذي استأثر به إعصار تسونامي، فإن ثلاثة أرباع الأمريكيين المستجوبين لم يتمكنوا من العثور علي إندونيسيا علي الخريطة. كما لم يتمكن من تحديد مكان نيويورك أو أوهايو علي خريطة الولاياتالمتحدة سوي نصف المستجوبين أو أقل. وبالتالي، يجوز طرح السؤال التالي: كم من شخص يا تري سيستطيع العثور علي تانو توفا؟ إنه سؤال صعب بطبيعة الحال. غير أنني في الواقع كنت أستطيع تحديد مكانها علي الخريطة عندما كنت تلميذا بالمدرسة الابتدائية في الخمسينيات، ذلك أنني كنت محظوظا لأن إيستيل مليلز كانت معلمتي في الصفين الخامس والسادس في بيغ هورن بولاية وايومينغ. فقد كانت السيدة مليلز تهوي جمع الطوابع البريدية، وقد تمكنت من جعل بعضنا يهتم بهذه الهواية. هل كان الأمر يتعلق بحيلة من أجل جعلنا نهتم بجغرافية العالم؟ لا أحد يعرف، ولكن المؤكد أنني أصبحت مولعا بهذه الهواية لاحقا. والحقيقة أنني لا أتذكر اليوم الكثير من الطوابع البريدية ودولها، غير أنني ما زلت أتذكر بعض الدول الصغيرة لأنها كانت تصدر طوابع بريدية كبيرة أو زاهية الألوان. وهنا يتبادر إلي ذهني الآن سان مارينو وموناكو، إضافة إلي دول أخري في أفريقيا ومنطقة الكاريبي كانت لها طوابع بريدية مميزة. وأتذكر طوابع تانو توفا بشكل خاص نظرا لتصميمها الثلاثي الفريد من نوعه، ولأنها كثيرا ما كانت تصور أحداثا من حياة الرحل مثل الرماة وهم يطلقون نبالهم أو يتسابقون بخيولهم الصغيرة. ربما لم أكن لأستطيع وضع أصبعي مباشرة علي موقع توفا علي الخريطة حينها، غير أنني كنت أدرك أنها موجودة وأن مكانها يقع في مكان ما بالقرب من منغوليا. وقد توقفت بعد بضع سنوات عن جمع الطوابع البريدية، ولكنني كنت سعيدا عندما صادفت اسم تانو توفا بكتاب رائع في التسعينيات يحمل عنوان "توفا أو الأزمة" لمؤلفه رالف ليتون، وهو معلم بالمدرسة الثانوية كانت تربطه بعالم الفيزياء الفائز بجائزة نوبل ريتشارد فينمان صداقة حميمة. وكان ليتون يفتخر بأنه يعرف كل دول العالم. ولكن ذات يوم تحداه فينمان قائلا "حسنا، ماذا تعرف عن تانو توفا؟". وقد اضطر ليتون إلي الاعتراف بأنه لم يسمع بتانو توفا من قبل. وتبين لاحقا أن فينمان يعرف هذا البلد بفضل هواية جمع الطوابع البريدية. والواقع أن هذا التنافس دفعهما إلي السعي علي مدي سنوات إلي زيارة توفا، غير أن فينمان وافته المنية للأسف قبل أن يتمكن من زيارة تلك المنطقة النائية. أما ليتون فقد تمكن من زيارتها لاحقا. هل من المهم أن يعرف الشاب الأمريكي أين توجد توفا؟ ربما ليس مهما، اللهم إلا إذا كان الأمر سؤالا في مسابقة ثقافية. وهل من المهم معرفة مكان أفغانستان أو العراق علي الخريطة؟ لا شك في ذلك. ولعله أمر مشجع أن واحدا فقط من أصل كل خمسة أشخاص من المستجوبين اعتبروا أنه "ليس مهما جدا" معرفة موقع البلدان التي تستأثر باهتمام وسائل الإعلام علي الخريطة