فن المنولوج الغنائي يذكرني بفن الكاريكاتير المرسوم الذي انحسر بعد رحيل جيل العمالقة واعتزال الفنان حجازي والتفرغ للأطفال بعد أن فقد الأمل في الكبار، ثم ظهور كوكبة جديدة لتكملة المسيرة وهي متسلحة بالوعي وتجارب من سبقوهم، والمنولوج الغنائي هو نوع من الكاريكاتير المنطوق، وهذا النوع انقرض تماما برحيل مؤلفيه ومؤدييه، حيث ازدهر فترة من الزمن علي يد كل من إسماعيل يس وشكوكو وثريا حلمي وحسن فايق وعمر الجيزاوي وسيد الملاح وأحمد غانم وغيرهم، والمدهش أن أصواتهم كانت تتميز بالأداء السليم، ولكن للأسف لم يحاول أحد إحياء هذا الفن الجميل الذي كان أصحابه الرواد يضحكوننا.. وينتقدون السلوكيات السيئة في المجتمع، وفن المنولوج ليس (عورة) في مجال الغناء، فما هو قائم، وما نراه هذه الأيام من المطربين والمطربات أقل صوتا وأداء عن منولوجستات زمان، لأنهم في غنائهم أشبه ب (فزاعة الحقل)، ومع ذلك أطلقوا علي أنفسهم مسميات كاذبة، وحاولوا إقناعنا أنهم أهل طرب وتطريب، وهم بالطبع يخدعون أنفسهم ومستمعيهم، ويكذبون علي الملأ وعبر الجرائد والمجلات والشاشات، مؤكدين أنهم الموجة الجديدة في الموسيقي والغناء، وأنهم يعبرون عن عصرهم، ولكن الحقيقة الواضحة تقول عكس ذلك. فهل عصرهم هو عصر الحب؟! كل أغانيهم كلام في الحب وعن الحب، كلام يشبه السلع الاستهلاكية، وكثيرا ما يشبه السلع المغشوشة والسلع المهربة غير المطابقة للمواصفات. والسؤال الآن: (هل من الممكن أن يتحول المطرب أو المطربة إلي منولوجست؟!)، والإجابة تحضرني الآن وقد حكاها الناقد كمال النجمي عن تحول إسماعيل يس الذي بدأ حياته مطربا عندما وجد من ينصحه، فعمل بنصيحته، وأصبح من أنجح المنولوجستات، وتاريخا تقول الحكاية: (عندما قدم الزجال "أبو بثينة" لإسماعيل يس نصيحته كان صادقا حيث قال له: لقد حضرت بعض الحفلات التي غنيت فيها، وأصارحك بأن الجمهور سيظل يضحك لغنائك، ولن يطرب له أبدا لأنك تحمل موهبة منولوجست، لا موهبة مطرب، رغم اكتمال نبراتك وأدائك الصحيح وفهمك لأصول الغناء). سأله إسماعيل يس متلهفا: وماذا أصنع لأجعل الجمهور يطرب بدلا من أن أجعله يضحك؟!. قال له "أبو بثينة" ناصحا: لا تحاول أن تجعل الجمهور يطرب لك. بل اجعله يضحك. اترك الغناء واشتغل مونولوجست، فهذا مستقبلك. وهكذا بفضل نصيحة "أبو بثينة"، تحول إسماعيل يس من مطرب إلي منولوجست، ودرب نفسه علي إضحاك الناس بدلا من إطرابهم. فهل يعمل بالنصيحة هؤلاء الذين شوهوا الغناء وأفسدوه، وتحولوا إلي وسطاء لترويج العري والبذاءة، فلربما أمكنهم إضحاكنا عندما يتخلون عن كذبة الغناء، ويسلكون الطريق الجديد، طريق المنولوجستات!!