نفّذَ إيفو موراليس ما قال إنه سيفعله قبل انتخابه رئيساً لبوليفيا في ديسمبر 2005؛ ففي يوم الاثنين الماضي فرض سيطرته علي احتياطيات بوليفيا من النفط والغاز، حيث أعطي أوامره لقوات من الجيش باحتلال ممتلكات تابعة لشركات نفطية أجنبية، ما شكل صدمة بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات، وهي صدمة لم تخفف من وطأتها تحذيراته السابقة وإفصاحه عن نواياه بخصوص هذا الموضوع. ويذكر هذا الأمر بما كان قد قام به رئيس دولة لاتينية أخري في وقت سابق، حين فرض الرئيس "لاسارو كارديناس" في الثامن عشر من مارس 1938، عقب الثورة المكسيكية، سيطرته علي ممتلكات الشركات النفطية الأمريكية والبريطانية في المكسيك. والواقع أن ما قام به "كارديناس" حينها كان عملاً جريئاً وخطيراً، إلا أنه تمكن مع ذلك من مواجهة غضب واشنطن ولندن، وإن كان العديد من الناس اعتقدوا أنه لن يفلح في ذلك. ويمكن القول إنه سيكون من المثير للاهتمام رؤية علي أي نحو سيتصرف موراليس في إطار تفاعلات هذه القضية. ثم هل الأمر يتعلق بتأميم فعلي أم بشيء أقل منه، مثل عملية كبيرة لإعادة التفاوض مع الشركات بشأن العقود؟ وكان موراليس قد أعلن من علي شرفة قصر كويمادو المسمي ب "القصر المحروق" أنه أصدر أوامره بالسيطرة علي حقول النفط والغاز قائلا "إن زمن النهب الذي كانت تمارسه الشركات الأجنبية قد ولي". وهو ما يدفع إلي التساؤل بخصوص ما سيتخذه موراليس من إجراءات جديدة في هذا الباب. ولكن من هو موراليس وماذا يمثل؟ لقد قدمه عدد من وسائل الإعلام علي أنه أحدث مظهر من مظاهر الجنوح نحو "اليسار" في سياسات أمريكا اللاتينية. هل يعد موراليس اشتراكياً أم ثورياً؟ الحقيقة أنه لا أحد يعلم بالضبط، وإن كان موراليس قد أفصح عن بعض نواياه، فبالإضافة إلي التحكم في مصادر الطاقة في بوليفيا مثلاً، تعهد موراليس أيضاً بوضع حد لتدمير محاصيل الكوكا، وهي سياسة أزعجت كثيراً محاربي الكوكايين في العاصمة الأمريكيةواشنطن، والذين يسعون إلي حرق الأراضي التي تنبت فيها هذه النبتة. غير أن موراليس يري أن الكوكايين ابتكار غربي، والواقع أنه قد يكون محقاً. ومن جهة أخري، يعتقد "آبل بوس"، الروائي الأرجنتيني والدبلوماسي الخبير في شئون دول الأنديز، أن موراليس قد لا تنطبق عليه جيداً أي من الإيديولوجيات المشار إليها آنفاً. ويري أنه يرمز إلي صعود منظومة المعتقدات السائدة في دول الأنديز، والتي تمثل أسلوب تفكير خاصاً ومختلفاً. وبصفة عامة، فقد تم تجاهل أولئك الذين يؤمنون بهذه المنظومة الفكرية، ليس في بوليفيا وحدها وإنما في الإيكوادور وكولومبيا وبيرو وشمال الأرجنتين أيضاً، وذلك علي مدي القرون الخمسة الماضية. وفي هذا السياق يكتب "بوس" قائلا "إنهم يعيشون في ظروف صعبة، ويموتون مبكراً، ويعانون من فترات من المجاعة. وقد اعتُبروا غير قادرين علي أن يَحكموا أو يُحكموا". إلا أنهم تشبثوا بقوة بتقاليدهم وقيمهم، وهم يدركون ما يؤمنون به ويدركون ما لا يؤمنون به أيضاً. إن الناس الذين يمثلهم موراليس، وقد يشكلون شريحة كبيرة من الناخبين الذين صوتوا عليه، يقول بوس: "لا يؤمنون بالعولمة، ولا يؤمنون بالرأسمالية، ولا يؤمنون بالماركسية. (ومما يجدر ذكره هنا أن تشي جيفارا توفي في بوليفيا لأنه فشل في فهم ذلك)". كما أنهم لا يؤمنون بالمؤسسات التي فرضها البيض عليهم، إضافة إلي النظام القضائي والضرائب وكل شيء له علاقة ب"الجمهورية الخيالية" التي أنشئت بهدف خدمة مصالح 10 في المائة فقط من السكان. ولكن ما الذي يؤمنون به بالضبط؟ إنهم يؤمنون بمقاربة بسيطة تقوم علي تحقيق التنمية واحترام أكبر للبيئة، ذلك أن بوليفيا تعاني من تآكل الغابات، إضافة إلي تعرية التربة والتلوث الصناعي، بسبب القضاء علي مساحات واسعة من الغابات وتخصيصها للزراعة والإقبال العالمي الكبير علي الخشب. إلي ذلك، يتحدث موراليس عما يسميه "الفيدرالية الثقافية"، والمقصود بها إنشاء مؤسسة جديدة تسهر علي تلاحم الشعوب المختلفة التي تعيش في الأراضي المنخفضة بحوض الأمازون، والواقعة علي مستوي سطح البحر، والسكان الذين يعيشون في الجبال والقري النائية التي تقع بجبال الأنديز العليا. كما يتحدث موراليس كثيراً عن التعددية الثقافية و"الاقتصادات المتقاطعة". وبغض النظر عما يقصده بذلك، غير أن الغموض لا يلف جميع سياساته، ذلك أنه أعرب عن رغبته ونيته في تحويل الثروة التي تدرها المصادر الموجودة حالياً بالبلاد (يُذكر أن بوليفيا تتوفر علي ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في القارة) إلي الناس الذين لم يستفيدوا منها أبداً. والواقع أنه كيفما كانت مخططات موراليس، فإن لديه شيئاً واحداً إلي جانبه، ذلك أن الأمور لا يمكنها أن تزيد سوءاً في هذه الدولة اللاتينية الفقيرة التي عانت _بسبب جشع الأقليات الحاكمة والطبقات العسكرية التي حكمتها علي الدوام اضطرابات وعواقب تمثلت في قرابة 200 انقلاب وانقلاب مضاد، إضافة إلي عدد من الثورات واسعة النطاق والحروب التي تعرضت لها منذ تأسيسها سنة 1825.