بينما يعزز الرئيس الأمريكي جورج بوش أسطورة الزرقاوي ويطالب الديمقراطيون بنبرة ضعيفة بمزيد من الدروع الواقية للجنود، ترتسم الآن خطوط الحرب الأهلية في العراق. إن العراق الذي يوجد في مخيلة الرئيس بوش والعراق الحقيقي، أي العراق الذي يحتل فيه 160 ألف جندي أمريكي أمة آخذة بالانزلاق إلي الحرب الأهلية، لم يبدوا يوماً متباعدين ومختلفين أكثر من الآن. فعراق بوش مكان خيالي تقارع فيه القوات الأمريكية العدو الذي هاجمنا في عقر دارنا في 11 سبتمبر. لكن علي أرض الواقع في العراق الحقيقي، مضت فترة ليست بالقصيرة منذ إجراء الانتخابات العراقية وبدأت ترتسم خطوط المعارك لحرب أهلية مقبلة. وهناك أطراف عديدة لتلك الحرب: الشيعة المرتبطون بإيران، أمراء الحرب الأكراد الذي يمتلكون أسلحة تمكنهم من اغتصاب كركوك ونفطها، قوي سنية دينية وقبلية مضادة للكتلة الشيعية والكردية وحركة مقاومة بعثية مسلحة تحظي بدعم لدي السنة. لكن أياً من هذه القوي لايريد التعاطي بأي شكل من الأشكال مع القاعدة أو أسامة بن لادن أو أبو مصعب الزرقاوي.وبحسب كل التقارير فإن قوات الزرقاوي في العراق بدأت تصبح غير مرئية علي نسيج خارطة معركة العراق. ومن المؤكد إنه لا أسامة بن لادن ولا الزرقاوي يحلم بالسيطرة علي العراق سواء بقيت القوات الأمريكية أم رحلت.دعونا أولاً نلقي نظرة علي العدو الذي يقول الرئيس بوش إننا نقاتله في العراق، ثم نلقي نظرة علي العراق الحقيقي. ففي خطاب حالة الاتحاد الأخير أصر الرئيس بوش علي أن عدو أمريكا في العراق هو محور أسامة بن لادن الزرقاوي، وانه لا يزال هناك خطر من أسلحة التدمير الشامل الأسطورية. وأعلن بوش في خطابه ان "الإرهابيين من أمثال بن لادن جادّون في سعيهم للقتل الجماعي وعلينا جميعاً أن نأخذ نواياها المعلن عنها علي محمل الجدّ. إنهم يسعون لفرض نظام متحجر من السيطرة الاستبدادية في أنحاء الشرق الأوسط، ويسلحون أنفسهم بأسلحة القتل الشامل. هدفهم السيطرة علي السلطة في العراق واستخدام البلاد كملاذ آمن لشن هجمات ضد أمريكا والعالم". هل العدو في العراق هو الميليشيات الشيعية أم أمراء الحرب الأكراد أم المتمردون العرب القوميون المسلحون؟ كلا، فالعدو من منظور بوش يتمثل في المتشددين وأنصارهم الأشرار. حيث قال: "إذا سمحنا للمتشددين بتطبيق مشيئتهم، فسوف نوجه بذلك للجميع رسالة مفادها أننا لم نعد نؤمن بقيمنا ومثلنا ولا حتي بشجاعتنا. لكن ليكن أعداؤنا وأصدقاؤنا علي ثقة بأن الولاياتالمتحدة لن تتقهقر ولن تستسلم للشر". وأضاف بوش أن "الطريق للنصر هو الطريق الذي سيعيد جنودنا إلي أرض الوطن"، لكنه لم يفسّر لنا كيف يمكن تحقيق النصر ضد خصم وهمي. في هذه الأثناء فإن الأمور علي أرض الواقع في العراق الحقيقي تتجه من سيئ إلي أسوأ، خاصة بعد فشل مساعي الجامعة العربية للصلح، بين الأطراف المختلفة في العراق. وأسوأ من ذلك أيضاً، بحسب صحيفة الزمان العراقية أن المحادثات السرية التي كانت تجري بين القوات الأمريكية والمتمردين انهارت وانتهت. لماذا؟ لأن زعماء المقاومة طالبوا بجدول لانسحاب القوات الأمريكية، إلي جانب مطالب أخري، ليس فيها أي مطلب متطرف علي نحو خاص، بما في ذلك إعادة تشكيل الجيش العراقي، وإشراف الأممالمتحدة علي الانتخابات، وحلّ ميليشيات الأحزاب الشيعية الدينية. في هذه الأثناء أيضاً قدمت مطالب موازية تماماً من قبل الأحزاب السنية الرسمية وحلفائها من الأحزاب العلمانية غير الطائفية والذين فازوا معاً ب80 مقعداً في المجلس الجديد، ودعم هؤلاء مطالبهم بتهديدات بإطلاق ثورة مفتوحة تأخذ شكل عصيان مدني صارخ. وأصدر زعيم الحزب الإسلامي العراقي وهو جزء من جبهة الوفاق الوطنية، مجموعة مطالب تتضمن: حلّ الميليشيات، وضع حد لنشاط فرق الموت وللاعتقالات العشوائية، تقوية الجيش ونشره لحماية الأمن في بغداد، نشر التقرير الذي لا يزال سرياً حول التحقيق في قضية سجون التعذيب التي تديرها وزارة الداخلية، وكانت رسالة الحزب الإسلامي واضحة في هذا السياق: اقبلوا بهذه المطالب، وإلا... لكن من المؤسف أن أياً من هذه التناقضات والاستقطابات والتوترات التي تهدد بنسف كل شيء لم يجد طريقة إلي خطاب بوش المغرق في الخيال. لكن الأسوأ من ذلك أن الديمقراطيين لا يقفون لبوش بالمرصاد. ولخصت صحيفة نيويورك تايمز هذا الوضع المخزي بجملة واحدة. ففي إشارة إلي خطاب السيناتور هاري رايد والسيناتور نانسي بيلوتشي اللذين تحدثا قبل خطاب بوش، قالت الصحيفة: "إنها تجنبت الحديث عن حرب العراق في تعليقاتها قبل الخطاب". وأرسل الديمقراطيون بعد ذلك السيناتور تيم كاين، حاكم فيرجينيا، لإطلاق الرد الرسمي علي بوش. وهو أيضاً تجاهل العراق باستثناء بعض التعليقات العابرة عن نقص الدروع الواقية لدي الجنود الأمريكيين.