لقد خرج الحزب اليميني المتطرف "الجبهة الوطنية" أقوي سياسياً من أي وقت مضي، مستفيداً في ذلك من الاضطرابات المدنية التي عمت المدن الفرنسية خلال الأشهر الستة الماضية. وأظهر استطلاع للرأي العام الفرنسي أجري مؤخراً، أن في وسع "الجبهة الوطنية" أن تلعب دوراً رئيسياً في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في العام المقبل 2007. وكان رئيس الحزب "جان ماري لوبن"، المعروف بمعارضته المتشددة للهجرة، قد حظي بتأييد سياسي نوعاً ما خلال الفترة الماضية، مما أهله قبل أربع سنوات لخوض الانتخابات الرئاسية العامة، وهي المنافسة التي خسرها لصالح الرئيس الحالي جاك شيراك. لكن علي إثر أحداث الشغب التي شارك فيها أيضاً أبناء وبنات الجيل الثاني من المهاجرين مؤخراً، قفزت مؤشرات الرأي الفرنسي العام المؤيدة للسيد لوبن من 5 في المائة، إلي 21 في المائة، وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجراه معهد IFOP وهو مؤسسة مستقلة مختصة بقياس الرأي، ونشرت نتائجه في تقرير صادر يوم الجمعة الماضي. يجدر بالذكر أن هذا الرقم ليس ببعيد عن تلك الأرقام المنسوبة ل"دومنيك دوفليبان" رئيس الوزراء الحالي، الخلف المرشح للرئيس جاك شيراك. يذكر أيضاً أن التأييد العام الفرنسي ل"دومنيك دوفليبان"، قد انخفض إلي نسبة 29 في المائة خلال الشهر الجاري، في خضم الفوضي السياسية التي عمت البلاد، إثر اندلاع المظاهرات الأخيرة التي أرغمت الحكومة علي سحب تعديلات دستورية جديدة مقترحة علي قانون العمل الساري حالياً. وصرح "فريدريك دابي" الذي أعد تقرير نتائج استطلاع الرأي المشار إليه آنفاً، بقوله إن سلسلة الأزمات التي شهدتها فرنسا مؤخراً، هي التي أربكت الموقف السياسي العام. وفي تعداده لتك الأزمات، ذكر المتحدث رفض الرأي العام الفرنسي في العام الماضي لمسودة دستور الاتحاد الأوروبي، مع العلم بأنها حظيت بالتأييد الرسمي من جانب حكومة شيراك وحزبه الحاكم، علاوة علي تأييد الحزب الاشتراكي المعارض. كما ذكر المتحدث كذلك أحداث الشغب وإشعال الحرائق التي شارك فيها بصفة رئيسية أبناء المهاجرين المسلمين، باعتبارها أحد العوامل المهمة المؤثرة علي تصاعد شعبية لوبن. يذكر أن ردة فعل حزبه "الجبهة الوطنية" كانت عبارة عن نشر شريط فيديو عبر أجهزة الكمبيوتر، تظهر فيه مدينة باريس وقد تحولت إلي كتلة من الحريق واللهب، تحت شعار سياسي يقول: "الهجرة... الفوضي... وانفجار ضواحي المدن... كل ذلك هو ما حدثكم عنه لوبن سلفاً". وتدخل صور المسلمين الفرنسيين والأفارقة المسلمين وهم يرمون قوات مكافحة الشغب بالزجاجات الفارغة والحجارة، خلال المظاهرات الأخيرة التي اندلعت ضد التعديلات التشريعية علي قوانين العمل، في سياق ما يرجح تنامي دور حزب "الجبهة الوطنية" وتعزيز مكانة "لوبن" السياسية، علي حد قول المحلل "دابي" المُشار إليه، الذي استطرد قائلاً: "صحيح أن هذه أحداث تبدو متفرقة ومختلفة جداً عن بعضها بعضاً، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعاً هو عودتها بالفائدة السياسية لأحزاب لا تزال خارج النظام السياسي الفرنسي، أو في هامشه علي أقل تقدير". ف"الجبهة الوطنية" ليس لها أعضاء يمثلونها داخل البرلمان، غير أن لها ما يصل إلي نحو 30 مقعداً في بعض المجالس المحلية، فضلاً عن تمتعها بالكثير جداً من المقاعد في المجالس الإقليمية، إضافة إلي سبعة مقاعد في البرلمان الأوروبي. هذا ومن رأي الكثيرين ممن شملهم استطلاع الرأي الأخير، أن "لوبن" كان علي حق في تعبيره السابق المبكر عن مخاوف وهواجس المجتمع الفرنسي. لكن علي رغم ذلك، يرجح بعض المحللين عدم قدرة "لوبن" علي تكرار مجازفة دخوله إلي حلبة المنافسة الانتخابية الرئاسية، علي غرار ما فعل في انتخابات عام 2002. وبين هذا وذاك يبقي حزب شيراك منقسماً علي نفسه بين مؤيدي "دوفليبان" من جهة، وأنصار وزير الداخلية "نيكولاس ساركوزي" من جهة أخري، مع العلم بأن الأخير يحظي بنسبة 30 في المائة من مجمل مؤيدي وأنصار الحزب. وربما تكون هذه هي الظروف التي أعطت أملاً جديداً ل "لوبن" ودفعته إلي التصريح لوكالة الأنباء الفرنسية مؤخراً بقوله: "في الجولة الانتخابية الأولي سنختار، أما في الثانية فمهمتنا استئصال الآخرين وإبعادهم تماماً عن حلبة المنافسة".