ثلاث سنوات تمر هذا الاسبوع علي جريمة غزو العراق.. ويلفت النظر ان الرئيس الامريكي "يجاهد" جهادا ملحوظا، ربما بشكل يفوق الطريقة التي "يجاهد" بها أسامة بن لادن، لكي يقنع نفسه اولا، وشعبه ثانيا، والعالم ثالثا، بأنه ذهب الي العراق، يدمره، ويخربه، وينسفه لكي يحمي امن الولاياتالمتحدةالامريكية، وكأن الطريق الي الحماية الوطنية يمر بالضرورة بالتخريب الدولي، وعلي مدي الاسبوع الماضي، خرج الرئيس الامريكي جورج بوش عدة مرات علي كاميرات بلاده، والعالم بالتبعية، ليدلي بتصريح، او ليعقد مؤتمرا صحفيا، فضلا عن احاديثه الاذاعية، وفي كل هذه التصريحات والمؤتمرات والكلمات، كان تهافت الزعيم الامريكي علي اقناع نفسه بالجريمة التي ارتكبتها الادارة الامريكية ضد القانون الدولي، اوضح من قدرته علي اقناع الآخرين، يلفت النظر بشدة، الحماس المصطنع الذي حاول الرئيس بوش اظهاره لكي يبرر جريمة غزو العراق وتدمير سيادة دولة مستقلة، واشاعة الفتنة المذهبية بين ابناء الوطن الواحد. في كل خطب بوش وتصريحاته نلاحظ انه يردد، كالنشيد الوطني، تعبير انه تم احراز تقدم ملحوظ نحو بناء عراق ديمقرطي يكون مصدر الهام لشعوب الشرق الاوسط، ولا اعرف كيف يكون الخراب علي الطريقة الامريكية مركزا ومصدرا للالهام وللبناء.. ولا اعرف بالقدر ذاته من الدهشة، كيف يغمض الرئيس بوش عينيه عن صناديق الموتي من الجنود الامريكان الذين لا يعرف عدد كبير منهم سر ذهابهم الي هذا البلد الغريب البعيد، الا انه في عقد عمل يستكمل به تعليمه، او تحت تلقين مذهبي رسخ فيه فكرة الخوف من المسلمين، اقول.. ان الرئيس الامريكي لا يري الدماء البريئة لجنوده.. وللشعب العراقي من باب اولي.. بل يري طول الوقت انه فعل الشيء الصواب.. وانه لو اتيحت له نفس الظروف لاتخذ القرار ذاته.. وان الله ألهمه ان يفعل فعلته!.. وفي التحليل النهائي.. فإن هذه اول مرة تتصل بها السماء بأي آدمي.. منذ بعثة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم.. ولا نعرف علي اي اساس احس بوش انه مكلف من السماء السابعة بالقتل.. فضلا عن ان الله الواحد الاحد القهار.. لم يأمر قط بالقتل او بالنسف او بالتخريب.. او بإشاعة الفرقة بين ابناء الدين الاسلامي.. الذي انزله الله علي قلب نبيه وامره بنشره بين الناس علي اساس العدل والرحمة والحب.. والتسامح. إن المدهش طول الوقت، هو ذلك الاصرار "الاداري" الامريكي علي عدم التراجع.. وهو اصرار علي الخطأ.. سيظل بمثابة نزيف متصل للموارد الامريكية التي يحتاجها العالم.. وهذا الصباح "الاربعاء" يوجد في العالم مليار آدمي لا يشربون مياها نقية.. فضلا عن أن 40% من سكان العالم لا يعرفون اين يوجد الماء.. ومحرومون منه.. كما ان الاعصار كاترينا الذي دمر ولايات امريكية جعل المواطن الامريكي يتساءل لماذا لا ينفق الرئيس الاموال الامريكية علي الشعب الامريكي؟.. وهو السؤال ذاته الذي نتوجه به الي الرئيس الامريكي.. اذا كان لديك فائض مال.. وفائض قوة.. وفائض ضمير.. فلماذا لا تنفق هذه الاموال علي اعمال الخير.. بدلا من اعمال القوة؟ ومن المؤكد ان صورة السيدة امريكا التي شوهها السيد بوش طويلا سوف تتحسن وسوف تعود مكانة الولاياتالمتحدة الي سابق عهدها.. قلعة للضمير الانساني.. والحرية والكرامة.. وليست مكانا لتصدير آلام الخوف والترهيب الي العالم. تشغل الادارة الامريكية نفسها بتلقين الآخرين الطريقة "الامريكية" للحياة.. وهي في سبيل هذه الهواية تضع نفسها موضع تندر مستمر، وآخر المتندرين رجلان جمع بينهما رفض هذه الطريقة الامريكية: بوتين رئيس روسيا.. وشافيز رئيس فنزويلا.. بوتين كان اكثر حرصا علي استخدام مفرداته.. فقال ان علي الامريكيين ألا يفرضوا طريقتهم وتعريفهم للديمقراطية علينا.. اما شافيز فاستخدم الفاظا قاسية مثل جبان وحمار.. وغير ذلك مما لا يليق في أدب الحوار بين زعامات العالم.. وكانت هذه الالفاظ ردا علي لفظ "غوغائي" الذي وصف به البيت الابيض شخصية رئيس فنزويلا.. مقتضي هذا التلاسن والوضع المتدهور.. وعدم اقتناع الرئيس الامريكي ذاته بما فعله.. جعل مكانة الولاياتالمتحدة ومصداقيتها في وضع الاهتزاز.. بل ان تعبيرات مثل "اننا نقاوم اغراءات الانسحاب" و"لو طردنا الارهابيون من العراق فسوف يهاجموننا في الولاياتالمتحدة".. تؤكد ان الرئيس وادارته تتنازعه مشاعر متباينة: 1- انه يريد الانسحاب.. ومبررات الانسحاب مغرية جدا.. فسوف يوفر نزيف الدم الامريكي.. كما سيوفر نزيف الاموال الامريكية.. كما سيوفر نزيف "الصورة" الذهنية للولايات المتحدة.. وسيخفف مشاعر النقمة الدولية حولها. 2- لكن هذه الاغراءات الضخمة.. اذا انحني لها ونفذ الانسحاب.. فانه سيفقد مصداقيته كدولة عظمي دفعت بمجموعة من المتعاونين مع الاحتلال الي مكان الحكم.. فاذا تركتهم الادارة الامريكية.. لسقطوا في المشانق التي ستبقي في العراق فور خروج القوات الامريكية. 3- وهذه الاغراءات الضخمة ايضا اذا انحني لها بوش.. وبعد استقرار الاوضاع داخل حكومته وبلاده.. فانها ستجعل الاذهان اكثر صفاء.. والقرار اكثر استعدادا لمحاسبة الرئيس بوش ذاته علي قرار حرب اتخذه في ضوء معلومات كاذبة.. وهو يعلم انها غير صحيحة! 4- مقتضي هذا التحليل ان المركز "القانوني" الطبيعي للرئيس بوش وادارته هو ذاته المركز القانوني ل "صدام حسين"!.. فكلاهما قتل.. وكلاهما عذب.. وكلاهما اشاع الفرقة.. وكلاهما اعتدي علي القانون الدولي.. وكلاهما هدد الاخرين ويهدد بالغزو.. والعقاب! ثلاث سنوات مرت علي تخريب العراق وتدميره.. ولايزال الرئيس الامريكي يتحدث عن النصر الذي سوف يحققه ومن بين تسريبات الالفاظ تحدث عن عدو صعب المراس مراوغ! انسحب.. واترك البلاد لاصحابها الشرعيين.. وكف عن التدخل في شئون الاخرين.. تعد اليك صورة بلادك اجمل.. وانقي.. وبلا بوش!