"شعور الانتقام" .. له مذاق محبب عند الانسان.. فقد توصل فريق من العلماء الامريكيين الي ان شعور الانتقام أو تأديب شخص لصديقه في حالة الغش في لعب الورق علي سبيل المثال يعمل علي تحفيز منطقة بالمخ تعرف باسم "سترياتوم" مسئولة عن الشعور بالسعادة واللذة لافراز مواد كيمائية تعمل علي شعور الانسان بهذه المشاعر ويري العلماء ان نتائج هذه الدراسة تلقي بعض الضوء علي احد العوامل المساهمة في تأصيل عادة الانتقام أو الثأر في بعض المجتمعات. وانه لمن قبيل الصدفة البحتة ان يرتبط هذا الاكتشاف الحديث من حيث عامل التوقيت مع ما ظهر فجأة وبدون سابق انذار من "نزعة انتقامية" وثأرية من البعض من كل ما يندرج تحت وصف "مسجون" أو مسلوب الحرية بحكم قضائي! وباديء ذي بدء نود ان نوضح هنا للسادة والسيدات الذين تطوعوا بارادتهم الحرة وادلوا بدلوهم في هذه القضية ومعظمهم هل علينا متشحا برداء الدين تارة وبرداء الفلسفة العقابية تارة اخري نود ان نوضح ان القضية في مجملها ليست قضية ثأرية أو انتقامية لوصف المسجون.. بقدر ما هي ايها السادة والسيدات من الاكاديميين قضية اصلاح وتهذيب من منطلق مبدأ الدفاع الاجتماعي وبالتالي يجب ان ايضا التنويه عن احد الاضلاع الهامة في هذا الخصوص وهو العقد الاجتماعي ما بين الفرد والمجتمع باعتبار ان هذا العقد هو الاصل المنحدر منه مجمل الصياغة القانونية بكل فروعها المعروفة بصفة عامة اما بصفة خاصة فيهمنا في المقام الاول "القانون الجنائي" والاجراءات الجنائية حيث انفرد بتعريف العقوبة علي انها عقوبة سالبة للحرية أو مقيدة للحرية.. وذلك باستثناء عقوبة الاعدم لطبيعتها الخاصة.. ومن هنا يجب ان تكون لنا وقفة ايها السادة والسيدات الانتقاميون والثأريون الذين يعتنقون المذهب "السترياتومي" أو مذهب اللذة المحبب عند البعض.. لنا وقفة حتي لو كان هذا الانتقام الثأري والتطوعي والاضافي من سجين ضرب بقدسية العقد الاجتماعي عرض الحائط فعاقبه القانون بعدالته من خلال تطبيق ما يعرف بالعقوبة السالبة للحرية أو السجن فذاك ادعي لتطبيق قواعد العدالة وسيادة القانون العقابي.. وهذا المعني متفق عليه باجماع الاراء.. إلا اننا لم نسمع قط عما يعرف بالعقوبات السالبة للحقوق الشرعية .. وابرزها "حق الخلوة" الشرعية حتي ولو كان من وراء قضبان. وكما هو مستقر وراسخ في وجدان "الفلسفة العقابية" ان العقوبة التي شرعت بنص تنصب في المقام الاول علي جزئية محددة من اجل تطبيق مبدأ أو سياسة "الردع العام" والخاص.. وذلك تبعا للخطورة الاجرامية للمحكوم عليه.. وتتمثل هذه الجزئية بالتحديد في سلب حرية الجاني في حق المجتمع.. ذلك الجاني الذي اخل ببنود العقد الاجتماعي فاستحق عن ذلك العقاب المنصوص عليه في "قانون العقوبات" الذي ابي في كل مواده ان يمس بالحقوق الشرعية للجاني المحكوم عليه.. ولم يعول علي تلك الحقوق باعتبارها أساليب عقابية والا كنا قد سمعنا عن سلب حريات اخري جوهرية مثل سلب حرية المأكل أو المشرب أو الملبس. خلاصة القول لماذا يقحم البعض نفسه في أمور لم يشر اليها القانون صاحب الاختصاص الاصيل من قريب أو بعيد؟! ثم.. ثم ما الداعي لتلك الهوجة الخلافية حول مايسمي "حب في الزنزانة" من اجل ادخال "ليالي الانس" في ابوزعبل أو ليمان طره أو سجن القناطر أو حتي سجن الحضرة الاسكندراني؟! أليس هذا حقا مشروعا للسجين المسلوبة حريته بحكم قضائي؟! ألم يدخل زنزانته وعلي ذمته شرعا زوجة تحل له في أي وقت يشاء؟! ام ان زوجته اصبحت محرمة عليه وسقط عقده الشرعي عليها بمجرد صدور حكم الادانة في حقه؟! كما انه محظور علينا جميعا المزايدة نحن الاحرار علي الحقوق المشروعة للمسلوب حريته خلف الاسوار.. أو بمعني آخر ان نحاول العبث فيما احل الله للبعض حتي لو كان هذا البعض خلف القضبان بمقولة التوسع في معني العقاب.. لانه بهذا المعني نكون قد انتقلنا من الفلسفة العقابية الاصلاحية الي فلسفة انتقامية وثأرية تنهي عنها الشرائع السماوية السمحاء وعلي رأسها الشريعة الاسلامية.. وهنا تكمن الكارثة المجتمعية فيما يسمي بالردع الخاص للجاني المسلوب حريته بشكل انتقامي وثأري مبالغ فيه. وتأسيسا علي ما تقدم هل كانت المسألة تحتاج الي استصدار فتوي من فضيلة المفتي بعد هذا التحليل؟1 وبعد ان ثبت بالدليل الشرعي يقينا ان مسألة "الخلوة الشرعية" هي حلال بين باعتبار ان الفتوي الصادرة من فضيلة المفتي هي فتوي كاشفة لحق من الحقوق الشرعية المتفق عليها وليست فتوي منشئة له .. وبالتالي فلا تخرج المسألة عن كونها من المسائل التنظيمية التي تختص وزارة الداخلية بادارة شئونها بحكم خبرتها التنظيمية. ونحن لا نتصور ابدا ان امه تستمد معطياتها الثابتة من الشريعة الاسلامية باعتبار ان تلك الشريعة هي احد مصادر التشريع الوضعي.. كمالا نتصور ايضا ونحن علي اعتاب القرن الواحد والعشرين الذي علت فيه نبرة حقوق الانسان ان يتطوع البعض ليبني فلسفته العقابية بنطق النزعة الانتقامية أو الثأرية بعد ان اصبح من الثابت والراسخ في الوجدان القانوني والانساني ان مجرد سلب الحرية لاعتبارات حمائية للهيكل المجتمعي هو مجرد وسيلة وليس غاية في حد ذاتها.. وذلك من اجل اعادة تأهيل المحكوم عليه بالعقوبة من خلال تعميق مشاعر الندم والرغبة الصادقة في التوبة ومن ثم العودة الي حظيرة المجتمع واحياء الضمير الفردي الذي هو جزء من الضمير العام للمجتمع.. وبالتالي فنحن نري ان حرمان المسلوب حريته او المسجون من حق جوهري وحيوي وهو حق الخلوة الشرعية لا يعد من باب التقويم والاصلاح او التهذيب بل الدخول بالجاني المسجون الي دائرة نزع غطاء الآدمية وتسفيه الاعتبار الانساني مما يدفعه الي حالة من اليأس لارتكاب ما هو اشنع من جريمته التي عوقب عليها من الأصل ذلك اذا وضعنا في الاعتبار ان حواس الانسان وغرائزه الطبيعية اذا لم تجد من يحترمها في اي زمان ومكان فقد تنفجر علي نفسها من داخلها انفجارا غير مشروع لا تحمد عقباه في كل الاحوال.. ايضا في حالة ممارسات الضغوط النفسية غير الآدمية المقصودة عن عمد من باب المبالغة والاتساع بالمفهوم العقابي من خلال منظور فلسفة عقابية منقوصة تخطت حدودها الحمراء ليثمر ذلك كله عن نتائج غير مشروعة وفي الاتجاه المعاكس تماما تصب وبالا علي المجتمع الذي من المفترض ان يتأهب لاستقبال التائب ان عاجلا ام اجلا من اجل احتوائه واندماجه في حظيرة المجتمع الكبير. واذا كانت هناك قاعدة شرعية مفادها درء المفاسد مقدم علي جلب المنافع فنحن نري ان اباحة "الخلوة الشرعية" هي من باب درء المفاسد.. لماذا؟! لانه قد ثبت بالدليل الواقعي والعلمي والبحثي من خلال الدراسات التي قام بها اساتذة علم الاجتماع ثبت ان "الشذوذ الجنسي" داخل تجمعات المسجونين والمسجونات متنشر الي حد الوباء الاخلاقي فيما يعرف باللواط بين الرجال والسحاق بين النساء مما يشكل في النهاية اكبر خطورة اخلاقية وصحية تهدد كيان المجتمع بسبب التقاء بذور الداءات المنبوذة في مجتمعنا.. وخاصة بعد ظهور حالة "ايدز" في سجن بورسعيد مما اشعل الجدل حول "الخلوة الشرعية" واوضاع المساجين الذي اصبحوا في حاجة الي مسح طبي شامل قبل تفشي طاعون القرن الجديد أو "انفلونزا السجون"!! "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".