مع تصاعد أزمات إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش واستمرار مسلسل الفضائح يبدو أن الأمريكيين قد بدأوا في جدية تامة التفكير وبصوت عال في أن تتبوأ عرش الإمبراطورية الجديدة سيدة بعد أن سئموا من إدارات الرجال التي قادتهم علي الأقل في السنوات الخمس الأخيرة إلي ما آلت إليه أمريكا من فقدان لأعظم ما كانت تملكه أي روح الحرية الوثابة. والتساؤل المطروح اليوم علي الساحة الإعلامية الأمريكية هل يمكن أن نري في الانتخابات الرئاسية القادمة 2008 عناصر نسائية قادرة علي تهديد فرص الرجال بشكل حقيقي في السباق إلي المكتب البيضاوي؟ ما أثار التساؤل وبشدة الأيام الماضية كان المسلسل التليفزيوني الأمريكي "القائدة العامة" COMMANDER IN CHIEF مستبقا بذلك انتخابات الرئاسة القادمة معركة ونتيجة في إطار من الخيال السياسي الذي يسقط علي الواقع الشيء الكثير. وبعيدا عن المسلسل التليفزيوني يتساءل الأمريكيون هل يمكن أن يكون الرئيس القادم كونداليزا رايس أو هيلاري كلينتون؟ عندما كانت رايس في الحادي عشر من عمرها أخذها والدها إلي واشنطن حيث وقفت أمام البيت الأبيض وهمس في أذنيها بأنها تستطيع أن تصبح رئيسة في يوم من الأيام رغم انه لم يكن مسموحا حتي عام 1965 لكثير من السود بأن يدلوا بأصواتهم وساعتها قالت لوالدها: يوما ما سأكون في ذلك البيت ولعلها بدت أمنية مفرطة في الخيال. ورايس التي شغلت منصب مستشارة الأمن القومي ثم وزيرة الخارجية هي اليوم الأقرب إلي قلب وعقل بوش لا سيما بعد تساقط أوراق المحافظين الجدد وانتصار سياساتها الداعية إلي الدبلوماسية الناعمة وإلي بناء التكتلات الدولية في وجه القضايا التي تريد أمريكا مجابهتها. ويصفها المقربون بأنها "الأميرة المحاربة" ويشيرون إلي أنها فخورة بنفسها أنيقة شديدة الاهتمام بمظهرها وتتمتع بقدرة هائلة علي ضبط النفس فهل يكفل لها هذا الوصول إلي رئاسة البيت الأبيض كأول سيدة أمريكية ومن أصول افريقية؟ الأسابيع الماضية سألت فتاة صغيرة في مدرسة برمنجهام بولاية الاباما رايس التساؤل الذي يتردد علي ألسنة الكثيرين هل يمكن أن تترأس أمريكا يوما ما سيدة؟ والمؤكد أن الفتاة الأمريكية كانت تفكر فيما هو ابعد من السؤال ظاهريا بمعني هل تتحدث الآن مع المرشحة القادمة للبيت الأبيض؟ ردت رايس بنعم علي الجزء الأول لكنها استطردت كما تعلمت وعلي الدوام في دهاليز العمل السياسي نافية أن تكون في قرارة نفسها تفكر في دخول مضمار السباق الرئاسي . أما الطرح الأنثوي الآخر علي الساحة الأمريكية اليوم فقد تجلي في طموحات هيلاري كلينتون التي وصفها البعض بأنها إمبراطورة أمريكية تدق أبواب البيت الأبيض . ولاشك أن شخصية هيلاري ذات طابع درامي يضفي عليها قدرا من الغموض ويتوقع لها الكثيرون أن تلعب دورا أكيدا في الحياة السياسية الأمريكية خلال السنوات القادمة. ومما لاشك فيه أن هيلاري وعبر ثمان سنوات من رئاسة زوجها كانت بمثابة الحاكم الفعلي للولايات المتحدة وفي مواجهة مونيكا لوينسكي استطاعت هيلاري أن تبدو للرأي العام الأمريكي الزوجة المثالية التي تعبر بعائلتها إلي بر الأمان عند هبوب العواصف وهكذا تجاوزت هيلاري المحنة وأصبحت عضوا بمجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية نيويورك ولتحمل لقبا رفيعا جديدا هو السيناتور هيلاري ولم تتوقف هذه المرأة القوية عند هذا الحد بل انطلقت تعد نفسها لموقع لم تسبقها إليه امرأة أخري في التاريخ الأمريكي.. الرئيسة الأولي في تاريخ الولايات. وقد جاءت هيلاري كلينتون في مقدمة المرشحات خاصة في ظل استطلاعات الرأي التي تؤكد أن شعبيتها تفوق شعبية السيناتور جون كيري الذي خاض الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مواجهة الرئيس بوش الابن. ومما لاشك فيه أن أمرا آخر يزعج الجمهوريين إلي درجة بعيدة وهو الدعم اليهودي الواضح للسيدة هيلاري كلينتون ولا سيما بعد تصريحات ومواقف متقنة الصنع من جانبها تجاه القضايا التي تتماس وأمن إسرائيل طوال سنوات مضت حتي أثناء رئاسة زوجها أو بعدها وهو ما مكن لها من الحصول علي تبرعات ودعم في حملتها للترشح لمجلس الشيوخ فهل حان وقت قطاف الثمرة الأكبر؟ وربما لم يجد الجمهوريون في وجه هذا الطوفان الكاسح من التكهنات سوي التفكير بمنطق لا يفل الحديد إلا الحديد ومن أقوي أو أكثر حزما من كونداليزا رايس لتواجه هيلاري رغم نفيها المستمر لذلك بعد أن حاصرتها التساؤلات؟ بل إلي ابعد من ذلك فقد شكل الجمهوريون جبهة تحمل اسم "أوقفوها الآن" ورصدوا لها ميزانية تقدر بعشرة ملايين دولار ما يؤكد أن الجمهوريين وضعوا هيلاري نصب أعينهم عاملين علي منعها من الوصول إلي البيت الأبيض علي الرغم من أنها لم تعلن عن رغبتها في الترشح رسميا. وفي بلد يشكل فيه الإعلام ذهنية الرأي العام إلي ابعد حد ومد فإن علاقة ما تربط بين طاقم المسلسل التليفزيوني "القائدة العام" والسيدة هيلاري كلينتون تؤكد علي أن حملة الديمقراطيين ربما تكون قد انطلقت بالفعل ولا سيما في ضوء ما نقلته صحيفة النيويورك بوست الأمريكية القريبة من الحزب الجمهوري من أن فريق السيناتور كلينتون يتابع البرنامج عن كثب وانعكاساته علي الرأي العام وكيفية تعامل هؤلاء مع فكرة وجود امرأة في البيت الأبيض ويبقي في الأفق ردود فعل الجمهوريين والتي ستتضح بأجلي صورة الأيام القادمة. فهل ستتمكن الأميرة المحاربة من إحراز السبق غير المسبوق في تاريخ أمريكا؟ أم تقود الإمبراطورة هيلاري الحزب الديمقراطي إلي حقبة أمريكية جديدة بعد فشل جمهوري غني عن البيان وظاهر للعيان؟