السجال الحاد الذي دار قبل ايام بين الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الدكتور ايمن الظواهري وقيادة حركة حماس الفلسطينية، حول أحكام الجهاد وضرورات السياسة، والذي كاد يصل الي حد التكفير والتخوين، لم يكن مجرد مبارزة اعلامية صاخبة، ولن يكون مجرد لحظة سياسية عابرة في سياق التجربة الاسلامية التي بات الجانبان من اهم رموزها. كانت المرة الأولي التي يدور فيها مثل هذا السجال المثير علي شاشات التلفزيون، برغم انه سبق لتنظيم الذي اثبت خطابه وتجربته انه يفتقر الي الحساسية الفلسطينية او علي الاقل لا يضع الصراع مع العدو الاسرائيلي علي رأس قائمة اولوياته، ان وجه انتقادات متعددة الي الحركة الاسلامية الفلسطينية التي ردت بالمثل والتزمت بالرأي الاسلامي العام الذي يقول ان أدخل الامة الاسلامية في مواجهة عبثية لم تتحضر لها ولن تنتصر فيها ولن تخرج منها بسهولة... لكنها المرة الاولي التي يرفع فيها الظواهري بالذات، وهو المنظّر الفعلي للتنظيم، والذي يقارب عادة الشأن الفلسطيني اكثر من رفاقه الخليجيين، ربما بسبب هويته المصرية، مستوي الاتهام الي الاسلاميين الفلسطينيين، والي حركة حماس تحديدا، بعد حصولها علي تفويض ساحق من الناخبين الفلسطينيين لتولي قيادة المشروع الوطني الفلسطيني الذي لا يشك احد في انه اصبح اسلاميا، وخرج من اطاره الوطني او العربي التقليدي. الدافع واضح: يعيش الظواهري في مأزق، وفي حالة فرار دائم، وهو يبحث عن حلفاء فلا يجدهم، ويستنجد بالانصار فلا يلقاهم. ويبدو انه قرر ان يسجل الرسالة الاخيرة كي ينادي علي المسلمين في مختلف انحاء العالم كي يهبوا الي الرد علي الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية بمهاجمة الدول التي نشرتها.. علما بأن عددها فاق 58 دولة، تشارك معظمها في الحملة العسكرية علي كهوف تورا بورا، حيث يختبئ قادة تنظيم القاعدة منذ نحو خمس سنوات . لكن الظواهري يجد متسعا لاستنكار نهج حماس الذي اعتبر انه يناقض الشرع ويتنافي مع العقيدة، ويمهد للتفاوض علي ارض اسلامية لا يحق لاحد التنازل عنها... وهو اجتهاد لا يخص تنظيم القاعدة وحده، لكن احدا سواه لا يستطيع ان يطلقه في وجه الحركة الاسلامية الفلسطينية التي ناضلت ولا تزال تناضل ربما اكثر من أي طرف آخر من اجل الحفاظ علي هوية تلك الارض ومكانتها في الدين والتاريخ الاسلاميين. المؤكد ان هذا الاختلاف في الرأي بين التيارين الاسلاميين الأبرز لا يخدم القاعدة، بل ربما يزيد من عزلته وهجرته، لكنه يضع حركة حماس ايضا امام تحد جديد، حيث لا يمكنها ان تعتمد علي التناقض مع التنظيم الاسلامي الاشد تطرفا وعنفا كي تكسب المزيد من الشرعية الشعبية والعربية والدولية، مثلما لا يمكنها ان تتحول الي التنظيم الاسلامي الاكثر اعتدالا ومرونة فتخسر الطابع الديني الجديد للصراع مع العدو... "السفير"