إذا كان شأن الناس في التعامل مع الافكار الجديدة هو كما يقول المثل الشائع " الناس أعداء ما جهلوا" لأنها أول مرة تطرح وأن الإنسان ابن عوايده ومألوفاته. ولكننا - كمصريين - ننفرد عن العالم اجمع بأننا نكره في داخلنا كل فكرة بفكرة جديدة.. ومن أهم مظاهر هذه الكراهية هو هذه العقدة، وهذا المفهوم والذي مفاده بأن المفروض أن تكون الفكرة متكاملة 100% وكأنها بمثابة مشروع متكامل يصلح فوراً للتنفيذ. فالفرق هائل، لأن طبيعة الفكرة التي تقدم تصوراً ورؤي جديدة مثلها مثل الأرض الجديدة هي التي تكتشف، فاكتشافها لايمكن ان يواكبه معرفة لتكمل تفاصيلها.. من أماكن المياه والأراضي الخصبة والبور، والآثار التي بها.. الخ. فاكتشاف كولمبس لأمريكا لا يعني اكتشافه لكل تفاصيل أراضيها ونوعيات وفصائل كل من كان يقيم علي أرضها. وهذا هو المفهوم القاسي والجبار في النظر إلي الفكرة، والذي يتجلي في قناعتنا المؤكدة بأن معيار الفكرة القوية هو أنها يجب أن تكون متينة في كل جوانبها لا ثغرة فيها، هو الذي يجعلنا نتحفز لمن يقدم أي فكرة فنبذل كل جهدنا من أجل العثور علي ثغرة سواء كنا علي حق أم لا. فمتي وجدنا الثغرة ينتهي الموقف بأن نلغي الفكرة من أساسها لأنها مليئة بالثغرات ولا نضع في الحسبان القيمة التي ستضيفها هذه الفكرة، وما تحويه من جديد هو في الواقع الثروة التي تحتاج إلي من يفكر في ثغراتها! ففي المثال الخاص لتحويل الحركة من السيارات الخاصة إلي النقل العام.. قد يشوب هذه الفكرة، وإن كان فيها الحل الأمثل لمشكلة المواصلات في مصر ثغرة.. وهي أن المشكلة الأساسية في مدينة القاهرة هي مشكلة مواقف الانتظار، فال 5.1 مليون سيارة تنتقل في ساعات الذروة (إلي جانب السيارات التي من خارج القاهرة لن تتحرك في حالة نقل الحركة إلي سيارات الميني باص ) حيث يتركها أصحابها لانتقالهم من خلال سيارات الميني باص، وهنا سيتم اشغال الشوارع كلها بوجود السيارات المتوقفة بها... والأمر الذي سيجعلها تشغل ثلثاً آخر من الطريق بل وسيضاف إلي ذلك ال 40 ألف سيارة التي ستسير في مساحة الطريق المحدودة! الافكار المصاحبة للفكرة العملاقة في حل المشكلة كل المناطق بوسط البلد (وبالقطع يتم أقامتها بصورة لاتعوق النواحي الجمالية للمناطق) مثل اتخاذ اماكن في جوانب كل منطقة تتناسق مع الشكل العام.. وهدم بعض الأبنية وتعويض اصحابها لاقامة هذه الجراجات.. مثل جراج مكان مبني مجمع التحرير.. ولما كان الجراج متعدد الادوار يحتاج إلي كمية هائلة من الحديد، مثله مثل الكوبري تماما.. فإنه في شراء الحديد لإعداد هذه الجراجات الهائلة ميزة كبري ممكن ان تعطي للشاري وهو الحكومة فعن طريق الحكومة يمكن شراء الحديد بنسبة تخفيض 30% من الشركة التي سيرسو عليها العطاء. .. فمعني ذلك أن الجراج سيتمتع بميزتين.. أولاهما 25% تخفيضاً في تكلفة الجراج عموما (منها 30% علي الحديد) بالاضافة إلي 50% دعماً من الدولة، فيترتب علي ذلك تخفيض التكلفة للجراج بنسبة تصل إلي 80%... الامر الذي يؤدي إلي تخفيض رسم إيواء السيارة بنفس النسبة. .. أما في المناطق الشعبية، فيمكن جدا دخول الدولة في شراء اراض أو شراء منازل قديمة بالمنطقة لتحويلها إلي أسواق يقام اسفلها جراج.. أما الطابق فوق الارضي فيكون سوقا للسلع الاستهلاكية لجميع الباعة الجائلين بالمنطقة، والطابق أعلاه تقام عليه سوق للسلع التي لاتقتضي الشراء العاجل.. فتدعم الدولة 60% من قيمة الجراج نفسه.. الأمر الذي يجعل ثمن تكلفة الجراج منخفضا جدا قد يصل إلي 70%.. فيصل بذلك رسم إيواء السيارة إلي درجة لاتزيد علي ما يدفع لمنادي السيارات يوميا. واذا كان من أكبر عيوبنا إننا نقف أمام الأفكار العملاقة من مجرد ثغرة نجدها فيها، فنقوم بوأد الفكرة في مهدها لدرجة انه لو قام مصري باكتشاف دواء للسرطان، ولكن له اعراضها جانبية حيث يسبب بعض الحساسية فإننا نرفض تماما هذا العلاج.. حتي لو كان فيه شفاؤنا التام من السرطان!!