كثيرا تحدثنا عن إصلاح الحزب الوطني باعتباره اصلاحا للحياة السياسية برمتها، وقلنا ان الاصلاح لن يتحقق بالوعود او الخطب الرنانة والحديث عن آمال في المستقبل، وإنما الاصلاح يحتاج الوصول الي الجذع الذي نخر فيه السوس وأبقاه هشًا تهزه بسهولة جماعة محظورة فتقتلع قياداته وتسرق منه مقاعد في البرلمان. وبعيدا عن اللعب علي الحبال والتوهان بين الانصياع لاوامر الحرس القديم او انتظار بزوغ شمس التغيير علي يد قادة الاصلاح فإن الوضع الآن يحتاج بحق للمصارحة. فكل من ينتمي لهذا الحزب الكبير في شعبيته، الجاد في برنامجه إن لم يصارح نفسه ويجهر بحقيقة المرض العضال الذي سكن جسد الحزب فهو ساكت علي الحق مستهين بمستقبل حزبه. وربما يخشي البعض ضريبة المصارحة لكنني في المقابل أراها اصبحت فرض عين علي جميع اعضاء الحزب فالوضع لا يحتمل السكوت. والمصارحة تقتضي ان نقول بصراحة ان الاصلاح الحزبي يتطلب ان تحدث عملية التسليم والتسلم بين القيادات التاريخية للحزب وبين تيار الاصلاح الذي يحمل افكارا وبرامج قادرة ان اتيحت لها الفرصة علي استعادة ما فقده الحزب طيلة السنوات الماضية سواء من شعبيته او رصيد مصداقيته لدي الناس وتحويله من حزب سيادي يعتمد علي قوته الحكومية الي تيار شعبي حقيقي بينه وبين الناس رباط مقدس اسمه تبني قضاياهم والدفاع عن مصالحهم والانطلاق من بينهم وبدعمهم. تيار لديه ما يمكنه من التعامل مع الظروف الراهنة بمتطلباتها واللغة التي تناسبها بما فيها تعددية حقيقية ومشاركة سياسية يشعر معها المواطن انه صاحب الحق الاصيل في اختيار توجهات البلاد سياسيا واقتصاديا وان صوته مسموع ورأيه محترم، وأنه لا فاصل بينه وبين قيادات حزبه وحكومته وانما يعملون جميعا في اطار منظومة قوامها المصلحة العليا للبلاد. وليس في هذا انكار لمكانة القيادات التاريخية، أوما بذلوه من جهد علي مدي الفترات الماضية وانما الحقيقة تقتضي أن نعترف جميعا بأنهم قدموا كل ما لديهم ولم يعد لديهم جديد يمكن ان يقدموه حتي اصبح وجود الغالبية منهم عبئا لا يتحمله الحزب بل يكلفه الكثير واصبح المجال مختلفا في مناخة وقوانينه وما يتطلبه من تعامل مع ملفاته. والحقيقة تقتضي ايضا ان نقول بوضوح ان تمسك هؤلاء بمواقعهم الحزبية وكأنها إرث عائلي او ملك خاص اصبح امرا يجافي الواقع الذي يلفظهم ويعتبرهم من الكلاسيكيات القديمة التي اختفت من كل العالم وحل مكانها اشخاص جدد في رؤيتهم وافكارهم واسلوب تعاملهم. والحقيقة تقتضي ايضا ان نتوجه لكل اعضاء التيار الاصلاحي بأن الايدي المرتعشة والخوف لا يبني مستقبلا ولا يحقق شيئا وانما يظل حبيس خوفه منتظرا لحظة لن تأتي فالنزول من علي المنصات وترك مقاعد السلطة ليس سهلا وانما يحتاج لمواجهة حقيقية اصبح لزاما علي قادة تيار الاصلاح خوضها دون خوف او انتظار وعليهم ان يتأكدوا بأن الشارع كله يقف خلفهم ويناصرهم في حركتهم الاصلاحية، فالشارع فعلا اشتاق للاصلاح مهما كان قدره ومكانه وليس ادل علي ذلك من تعاطف الغالبية العظمي من الشارع السياسي مع حركة الاصلاحيين داخل الوفد واعتبارها مقدمة طالبوا بتكرارها في احزاب اخري بل وبالفعل تحركت قواعد اصلاحية داخل بعض الاحزاب الاخري من اجل تحقيق الاصلاح الذي يسعي اليه الجميع، والحزب الوطني هو اول الاحزاب التي ظهرت فيها بذور الاصلاح واعلنت عن نفسها وطرحت افكارا لاقت كل الترحيب لدي المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، وحري بهذا التيار الاصلاحي الوطني ان يتحرك بقوة وأنا علي يقين انه لن يواجه معارضة فمهما كانت الصورة التي يبدو عليها معارضو الاصلاح فهم في النهاية قوة هشة فاقدة للمصداقية والشعبية، بل وينظر اليهم الجميع علي انهم السبب الحقيقي فيما آل اليه الحزب من ضعف.. ولن يتردد الشارع في الترحيب بتيار شاب يجدد دماء الحزب ويعيد اليه شبابه المفقود، فما زال الحزب في قلب الناس ينتظرون ان يصحح نفسه ويستعيد وضعه واذا جاز لي المشاركة هنا فإنني اري ضرورة ان يفرض الاصلاحيون سيطرتهم الفكرية والتنظيمية علي الحزب سواء علي المستوي المركزي في القاهرة والامانات العامة او علي مستوي المحافظات والوحدات القاعدية ليس فقط بالفكر الجديد وانما ايضا بالوجوه الجديدة من ذوي القبول الشعبي والقادرين علي لم شمل اعضاء الحزب وتوحيد صفوفهم فلن ينصلح حال الحزب بتغيير امناء لجانه العامة او حتي امين التنظيم او امينه العام والعبرة مع ذلك في امناء المحافظات والاقسام والمراكز. فالعبرة بمن يتعاملون مع قواعد الحزب علي المستويات الادني في المحافظات والمراكز والقري. فرغم انني لا اخفي سعادتي باخبار تولي المهندس احمد عز مهمة امين التنظيم لعلمي بقدراته علي ادارة العمل الحزبي بشكل منظم وبناء علي قاعدة معلومات حقيقية ودقيقة وبخطة واضحة تقوم علي التعايش وسط الناس والتعرف علي مشاكلهم بشكل مباشر، وقد نجح المهندس عز في مهمته كأمين للعضوية وقدم للحزب ولأول مرة قاعدة بيانات لعبت دورا فاعلا في عملية التطوير التنظيمي للحزب، بل واستطاع من خلال قيادته للعمل التنظيمي تحقيق نجاح ملموس في انتخابات الرئاسة، ولولا المجاملات والصراعات التي تحكمت في اختيارات مرشحي الحزب في انتخابات البرلمان لتكرر النجاح بنفس النسبة لكن ورغم كل هذا فإن الابقاء علي امناء مراكز ومحافظات "عجزة" عن الوصول الي الناس، وقيادات نفعيين سيكون عبئا علي المهندس عز يثقل كاهله ويرهقه في عمله وربما يضيع جهده. ايضا هناك قيادات يجب ان تنطلق ليستفيد الحزب من طاقاتهم وافكارهم من خلال تواجدهم في مواقع مسئولية واضحة وفي مقدمتهم الدكتور محمد كمال الذي أري انه لم تتح له الفرصة حتي الآن ليقدم كل ما يمتلكه من افكار يمكن ان نبني عليها الكثير في مستقبل الحزب او الدكتور حسام بدراوي بآرائه الجريئة ومواقفه التي غالبا ما يدفع ثمنها وآخرها مقعده البرلماني الذي ضاع بفعل فاعل معروف. قيادات شابة كثيرة علينا ان نفتح امامهم الابواب المغلقة وان نزيل الحواجز من طريقهم وان نخلصهم من الحذر الذي يقتل ابداعاتهم بكبتها. ان الحزب امام خيارين لا ثالث لهما، الاصلاح بالاصلاحيين او فضوها سيرة.