عندما يتعلق الأمر بقضايا الطاقة وقدرات الشعب الأمريكي، فإن الرئيس جورج بوش ونائبه تشيني يعتبران أقل الأشخاص ثقة بمقدرة الشعب الأمريكي علي الإنجاز وابتكار الأفكار الجديدة. فلا أحد يشكك في قدرات الشعب الأمريكي الخلاقة مثلما يفعل نائب الرئيس تشيني الذي ما برح يصر علي أن ترشيد استهلاك الطاقة ما هو سوي "فضيلة شخصية" وليس ضرورة ملحة من ضرورات الأمن القومي، فضلا عن وجود رئيس بالكاد ينطق كلمة الترشيد. بيد أن الأمريكيين لم ينتظروا تشجيع قادتهم، بل تولوا زمام الأمور من خلال مشروع هائل يجري إنشاؤه حالياً في تكساس من قبل شركة "تكساس إنسترومنتس" التي تقوم ببناء مصنع لإنتاج الشرائح الإلكترونية الدقيقة بالقرب من دالاس، لكن بمواصفات بيئية. وبإطلاقها هذا المشروع الرائد تسهم الشركة في خلق ما لا يقل عن 1000 وظيفة في مجال التكنولوجيا المتطورة لتصنيع رقاقات إلكترونية بتكلفة أقل ومن دون إلحاق الضرر بالبيئة. ورغم أن شركة "تكساس إنسترومنتس" كانت دائما تتطلع إلي بناء مصنعها الجديد لإنتاج الرقائق الإلكترونية في منطقة دالاس حتي تبقي قريبة من مقرها الرئيسي وتضمن تدفق الأفكار بيسر وسلاسة، فإن أماكن أخري في العالم مثل الصين وتايوان وسنغافورة كانت أكثر إغراءً للشركة بالنظر إلي الامتيازات التي تمنحها كالرواتب المتدنية والإعفاءات الضريبية. ومع ذلك وافقت الشركة علي الاستقرار في دالاس. وكانت البداية من الطوابق الثلاثة التي يتطلبها المصنع لإنتاج الشرائح الإلكترونية بسبب عملية التصنيع المعقدة ومرورها بمراحل متعددة، حيث استطاع فريق مهندسي الشركة تقليص الطوابق الثلاثة إلي طابقين، وهو ما أدي إلي اختزال كبير في مساحة المصنع وادخار في الطاقة التي يستهلكها. وبالإضافة إلي ذلك قامت "تكساس إنسترومنتس" بالاستعانة بخدمات "أموري لوفينز"، المهندس المعني بشئون البيئة ورئيس "معهد روكي ماونتنز" الذي طلبت منه تصميم أجزاء من المصنع بطريقة ترشد من استهلاك الطاقة وتقلل من التكاليف. وعلاوة علي ذلك تمت الاستعانة بالطاقة الشمسية للتقليل من استهلاك الوقود، وتم طلاء سقف المصنع باللون الأبيض لتجنب امتصاص أشعة الشمس وخفض درجة الحرارة. وقد تضافرت هذه الأفكار مع ابتكارات أخري جديدة في مجال التكييف الطبيعي وحركة دوران الهواء في المصنع ما أدي في النهاية إلي التخلص من أحد المكيفات المركزية التي كانت تستهلك الكثير من الطاقة. كما تم وضع نظام يعيد تصنيع النفايات التي يعاد استخدامها مرة أخري. وفي هذا السياق يقول "بول ويستبروك" الذي يشرف علي تصميم المصنع الجديد لشركة "تكساس إنسترومنتس" وفق المعايير البيئية "إننا عندما نتكلم عن المصانع التي تحترم البيئة فإننا لا نقصد بذلك إنتاج طاقة بديلة عبر الاعتماد علي الرياح أو الشمس، بل نقصد ابتكار وسائل هندسية جديدة تقلل من استهلاك الوقود عن طريق إعادة استخدام النفايات وترشيد استهلاك الطاقة، وهو الطريق الذي أعتقد أنه سيؤدي إلي ثورة صناعية جديدة". ويضيف "ويستبروك" أنه "بالرغم من بعض الصعوبات التي واجهت المشروع في البداية، فإن النتيجة كانت جيدة، بحيث تم خفض تكلفة البناء ب30% لكل قدم مربع بالمقارنة مع المصانع التقليدية. وبينما كنا ننتظر من الرئيس بوش ونائبه تشيني أن يحذوا حذو كنيدي ويضعا ثقتهما في قدرة الشعب الأمريكي علي ابتكار الوسائل الجديدة للتقليل من استهلاك الطاقة، نجد أن كل ما يفعلانه هو إقناع الأمريكيين بقبول برنامج خفض الضرائب، والتندر علي مسألة الترشيد.