أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة 'معاريف' الاسرائيلية أواخر العام الماضي ان حزب 'كديما' الجديد الذي انشأه رئيس الوزراء ارييل شارون لا يزال متقدما في نوايا التصويت للانتخابات التشريعية المقبلة في 28 مارس القادم. وقال الاستطلاع انه اذا أجريت الانتخابات الآن فان كديما سيفوز بعدد 40 مقعدا من أصل 120 في الكنيست مقابل 19 مقعدا لحزب العمل برئاسة عمير بيريتس و15 لحزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو.. واوضح الاستطلاع ان 46 % من الناخبين يفضلون ان يتولي شارون رئاسة الحكومة القادمة مقابل 19 % لنتنياهو و14 % لبيريتس.. ومن شأن حدوث ذلك خلق خريطة سياسية جديدة في إسرائيل. واظهرت الاستطلاعات تقدم هذا الحزب وتفوقه علي خصومه السياسيين من اليمين واليسار الصهويني، ويبدو انه سوف يحافظ علي هذا التفوق. لهذا الحزب اجندة سياسية واضحة واخري اجتماعية _ اقتصادية يحرص كل الحرص علي التمويه عليها وتحميل بنيامين نتنياهو وما بقي من حطام الليكود المسئولية عن تبعاتها وتداعياتها. علي هذا الصعيد يقدم شارون نفسه للجمهور الاسرائيلي كجنرال في السياسة مثلما هو جنرال في العنف وساحة الحرب. ان القراءة السريعة لخطة الموازنة لعام 2006 يعد شارون بحفز النمو الاقتصادي بصورة مفتعلة، أولاً عن طريق تقليص النفقات الحكومية واتاحة الفرصة للاستثمار امام القطاع الخاص لتوفير فرص عمل جديدة وثانياً من خلال المزاوجة بين خفض ضريبة الشركات وبين زيادة الضريبة علي ارباح رأس المال من اجل تعويض خزينة الدولة عن خسائرها المتوقعة من خفض ضريبة الشركات. اجندة حزب شارون _ اولمرت الجديد الاجتماعية _ الاقتصادية لا تحتل الاولوية في برنامجه بل هي خطة اعتراضية لاسترضاء الطبقات الفقيرة وابناء مدن وبلدات التطوير من الطوائف الشرقية وكسب تأييدها في معركة انتخابات الكنيست. اما الاولية في برنامجه فتحتلها اجندة الامن والاستيطان والجدار والحلول المرحلية طويلة الامد. خارطة الطريق التي تحدث عنها شارون هي في الاساس خارطة الطريق الاسرائيلية، التي جري تنسيقها مع الادارة الامريكية ووجدت صداها في الرسالة الشهيرة التي وجهها الرئيس جورج بوش الي الحكومة الاسرائيلية. ليس صعباً علي حزب العمل بزعامة عمير بيرتس ان يخوض المعركة ضد الفقر والبطالة وهو يخاطب الفئات الضعيفة وهم في اغلبيتهم الواسعة من ابناء الطوائف الشرقية. غير ان هذا الحزب سوف يجد نفسه عالقا ًفي ازمة السياسة الاقتصادية، التي تدفع تحت ضغط رأس المال المتوحش وضغط المؤثرات الخارجية نحو الخصخصة. فحزب العمل بزعامة عمير بيرتس يعارض بشدة خصخصة اجهزة الصحة والتعليم والبني التحتية، ولكنه يهرب من الاجابة عن خصخصة الشركات الحكومية مثل شركات الصناعات العسكرية والجوية والكهرباء ومصافي تكرير النفط وغيرها، التي يعرضها حزب شارون _ اولمرت للبيع في موازنة عام 2006 وقد يجد هذا الحزب بزعامة عمير بيرتس نفسه عالقاً في مواجهة معالجة ناجحة للسياسة الضريبية امام ضغط الشركات واصحاب رؤوس الاموال والاستثمارات وهي الجهات التي انتفعت اساساً من الاصلاح الضريبي، الذي قام به وزير المالية السابق بنيامين نتنياهو. علي هذا الصعيد يمكن لحزب العمل بزعامة عمير بيرتس ان يجدف ضد تيار الرأسمالية المتوحشة، الذي فاقم الاوضاع الاجتماعية _ الاقتصادية وهو يسعي لكسب تأييد الطبقات الضعيفة وابناء الطوائف الشرقية، التي شكلت الرصيد الانتخابي الدائم لحزب الليكود وما زالت تشكل رصيداً مهماً للحزب الجديد بزعامة شارون _اولمرت وهو رصيد مخزون جذبته سياسات وممارسات القوي الفاشية وشبه الفاشية علي امتداد عقود طويلة. ذلك ليس طعناً بالطبقات الضعيفة ابناء الطوائف الشرقية، فمثل هذه الظواهر سادت دول اوروبية عديدة في فترة صعود الفاشية فيها بفعل سلسلة من الاخطاء التي وقعت فيها احزاب يسارية وعمالية في تلك الدول. إذا كانت هذه هي الأولوية في أجندة حزب العمل بزعامة عمير بيرتس، فما هو موقع الاحتلال والتسوية السياسية والأمن في أجندة هذا الحزب علي أبواب تحولات سياسية تجري في إسرائيل وعلي أبواب الانتخابات المبكرة للكنيست، قائد الحزب عمير بيرتس يري أن الاحتلال يدمر ويفسد قيم الديمقراطية ويشجع العنف في المجتمع الاسرائيلي ويري ان كل شيكل يذهب للمستوطنات (في الضفة الغربية) هو علي حساب التعليم والصحة والرفاه وبلدات التطوير "موطن الطبقات الضعيفة وأبناء الطوائف الشرقية" هذا صحيح تماماً ولكنه وقف امام مشكلة مركبة، لأن هذا الموقف لم يتحول الي سياسة رسمية يتبناها حزب العمل وفي الوقت نفسه لم يتغلغل بعد في وعي أبناء الطوائف الشرقية، حيث يراهن علي ولائها. من جانبه عبر نتنياهو عن موقف اقل مرونة مطالبا باتخاذ اجراءات صارمة من الفلسطينيين ضد نشطاء الجماعات المسلحة قبل أي انسحاب. لكن نتنياهو لم يستبعد علي اي حال القيام بانسحاب رغم مواقفه القوية المؤيدة للاستيطان ويتذكر الناخبون انه تخلي تحت ضغوط امريكية عن مناطق في الضفة الغربية للفلسطينيين في دولة علي كامل اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة تكون القدسالشرقية عاصمة لها.