منذ أثيرت مسألة إعادة توزيع مياه نهر النيل بين دوله وهناك من يتهم مصر بأنها ولت وجهها بعيداً عن أشقائها الأفارقة بعد أن غابت عنهم أحضانها الناصرية الدافئة تاركة الساحة للوحش الصهيوأمريكي يعبث ويلعب ويرتع ويتآمر ويسلب وينهب ويسكب دموع التماسيح ويملأ الفضاء الأفريقي بالبالونات الملونة وبالتدخل الأيديولوجي وبالتبشير الديني وهو ما يدفعني إلي أن أفض الأضابير وأطالع الوثائق واستعرض حجم الوجود أو الغياب المصري في إفريقيا النيلية، فأقول إننا مارسنا خطأ كبيرا حين كنا نخص إفريقيا بدبلوماسيين غير المرغوب فيهم بنفس الطريقة التي كنا نرسل بها الموظفين المعاقبين إلي المناطق النائية في قنا وأسوان وكأن تلك المناطق التي أذنبت ومن المؤكد أنه لولا وجود أثار عبدالناصر ورائحة شركة مصر للاستيراد والتصدير ببطلها التاريخي العظيم محمد غانم لكان غياب إفريقيا عنا وغيابنا عنها قد زاد وفاض ولكم صرخت أقلامنا حتي كاد مدادها أن يجف ونحن ننادي يا ناس يا هووه مطلوب لإفريقيا عامة ودول حوض النيل خاصة سفارات مصرية قوية وتوغل ثقافي وأكاديمي وإعلامي وديني يبشر ولا ينفر حتي ننافس ما تذروه الرياح الأسر وأمريكية هناك ولن يكف أي حديث حين أتساءل: كم مكتباً للتمثيل التجاري يعمل في دول حوض النيل وكم مركزاً ثقافياً وإعلامياً هناك مقارنة بإسرائيل إن الاكتفاء باجترار الماضي وتكرار الحديث عما قدمناه لحركات التحرر الافريقي في عهد عبدالناصر أصبح استبدالاً للواجب بطلب رد الجميل وأصبح جهلاً بأن أفارقة اليوم لا يأكلون تاريخاً ولا تداويهم أمجاد والزعماء التاريخيون من أمثال نكروما وسيكوتوري ولومومبا وكينياتا قد ماتوا واولئك كانوا مرتبطين بالثورات والحكام الحاليون مرتبطون بالواقع العملي أي بالموازنات المالية وباقتصاد البناء والنماء وإذا لم تحدث التنمية عندهم بالمال فإنهم يعطلون تنمية غيرهم بالماء خاصة وأن معظمهم لا يدرك حديث بني المسلمين عن أن الناس شركاء في الماء والكلأ والنار وهو الثالوث الذي كان عناصر الإنتاج في العالم القديم. أنا أعلم أن الصندوق المصري لدعم إفريقيا أوفد اكثر من ثمانية آلاف خبير تنموي مصري إليها ولكن هل قدرنا وقومنا وفحصنا ما قدموه وتعرفنا علي ما فعلوه؟ هل فعلنا ما فعلته إسرائيل حين قررت أن الثلاثة وخمسين دولة المكونة لأفريقيا والمكتظة بالفقر وبالجوع وبالتخلف وأيضاً بثروتها الهائلة تحت الأرض وفوق الأرض غير المستثمرة أو المسروقة امبرياليا هي دول تحتاج إلي وجود كثيف وإلي ترشيد ومشاركة؟ ثم هل واجهنا ما في دول نهر النيل من نزاعات اقليمية وطائفية وعنصرية، كما فعلت إسرائيل حين خصصت برامج حماية كاملة لرجال أعمالها هناك فلم يعودوا خائفين علي استثماراتهم فيها؟ ثم هل قرأنا مطالعنا ودرسنا واستوعبنا وحاكينا ما تفعله إسرائيل الآن في منطقة البحيرات العظمي التي هي بوروندي ورواندا واوغندا والكونغو الديمقراطية؟ هل تقدمت هيئة ضمان الصادرات المصرية وغيرها من الهيئات التجارية والصناعية والتنموية ومعها اللجان الوزارية المختصة بالاتحاد الإفريقي بما يجب لحماية الاستثمار ومنع الازدواج الضريبي؟. هل توجد هناك الان استثمارات عالية الهامة ورؤوس أموال مصرية تضارع ما لإسرائيل هناك وتكون قد تتلمذت علي ما بقي من تراث شركة النصر للتصدير والاستيراد بينما إسرائيل قد جعلت اثيوبيا الآن قاعدة حيوية لها مستغلة الثروة المعدنية الاثيوبية الهائلة في دعم الصناعة العسكرية الإسرائيلية، إسرائيل يا سادة ياكرام قامت بتمويل خمسة سدود لتخزين مياه النيل في كل من تنزانيا ورواندا واصبح الأفارقة يعتبرون إسرائيل هي الزراعة والصناعة والتجارة والأمن والصين هرولت إلي إفريقيا واليابان لحقت بها والرئيس مبارك سبق أن طالب في قمة ابوجا وقمة سرت باطلاق قناة إفريقية مشتركة ومكافحة أمراض إفريقيا ودعم البحث العلمي فيها ولكن سحقا للصم البكم.