يترقب العالم غداً نتيجة الاستفتاء في جنوب السودان لمعرفة مصيره وإن كانت كل الشواهد تؤكد الانفصال بين الشمال والجنوب بعد أن فشل الجانبان في العيش سويا تحت مظلة سودان واحد. ولم يعد منطقيا البكاء علي اللبن المسكوب فالانفصال تم منذ اتفاق نيفاشا عام 2005 وما سيجري غداً من استفتاء يعد استكمالا لآخر حلقات ذلك الاتفاق والمهم ألا يتبع الانفصال كراهية وحروب ودماء جديدة ويكفي أكثر من عشرين عاما من القتال راح ضحيته عشرات الآلاف من أبناء الشمال والجنوب. ولايزال العالم يعتريه قلق من المشاكل المعلقة وهي تحتاج وقتاً لحلها وأهمها منطقة أبيي والحدود والنفط وقبائل الشمال في الجنوب وقبائل الجنوب في الشمال فهناك عشرين في المائة من أبناء الجنوب مسلمين بل إن حركة الزعيم الديني حسن الترابي لها أتباع كثيرون في الجنوب.. وربما كانت زيارة الرئيس البشير قبل أيام هي الأخيرة له قبل أن يعتبر ضيفاً علي السودان الجنوبي الجديد وليس رئيساً لسودان موحد وسوف يعامل كل الزعماء في الشمال كأغراب في الجنوب مهما كانت أعداد اتباعهم. ونظرة علي أسباب النفور والكراهية والحروب والدعوة للانفصال تؤكد أن السودان فشل في العيش في دولة مدنية منذ استقلاله عام 1956 ولا يمكن إعفاء بريطانيا من تأسيس الجفاء والبعد والنفور بين الجنوب والشمال وجاءت الحكومات السودانية المتعاقبة لتبني علي ذلك الأساس المدمر لعلاقات الطرفين.. وكان الإهمال والتمييز والتعصب وفرض قوانين بعينها علي الجنوب سببا في اشتعاله وحمل السلاح.. فهل كان من الأفضل تطبيق الشريعة الإسلامية إبان حكم الرئيس الأسبق نميري علي الجنوب أم دراسة الأبعاد السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية لتأثير تلك القوانين علي الجنوب أولاً.. وساهم الغرب في تأجيج وحقن المزيد من الكراهية وتزويد الجنوب بالسلاح، الأمر الذي أصبح نزيفاً في جسد السودان شماله وجنوبه. وليت الأمر يقف عند ذلك الحد فانفصال الجنوب سيفتح شهية الحركات المتمردة في دارفور في الشرق والشمال وحتي في الجنوب نفسه لمزيد من الدعوة للانفصال ويقدر المحللون بأن دعوات الانفصال تهدد السودان بتفتيته إلي ثماني دول أو بالأصح دويلات.. وهذا ما يتمناه الغرب لأن في الدويلات وتتأجج النزاعات وتشتعل الحروب وتنهال الأسلحة علي المقاتلين وتتضخم ثروات موردي السلاح وتهرب التنمية ويزداد الفقر وبالتالي مزيد من الاعتماد علي الغرب وشروطه.. والتدخل في شئونه حتي يصبح تابعا لا قيمة له. الفشل في إقامة دولة مدنية أدي لتقسيم السودان.. وهو درس مهم لعل الآخرين يفهمونه من أبناء الدول الأخري في القارة السمراء التي ابتليت بالمؤامرات والفتن رغم ثرواتها الهائلة ومواردها الضخمة. لقد أكدنا سابقاً أن التدخل العربي بالدعم جاء بعد فوات الأوان وخاصة في التنمية والاقتصاد فأين كان العرب قبل عقود وهم يرون السودان يترنح تحت حرب أهلية دامت سنوات وعوائد النفط لديهم تزداد وتبحث عن مكان للاستثمار. إن الأمل يراود الكثيرين في إقامة دولة في الجنوب تتمتع بعلاقات ودية مع جيرانها وأن تكون المفاوضات هي السبيل مع الشمال لحل أي قضايا معلقة وأن يحتويها العرب وفي مقدمتهم مصر قبل أن يحتويها الآخرون.. فما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا ويربطنا شريان مهم هو نهر النيل وعلاقات تاريخية عريقة فضلاً عن تواصل قبائل أبناء السودان شمالا وجنوبا. صحيح أن يوم الغد هو يوم تفتيت السودان.. وظهور دولة الجنوب وهذا التفتيت جاء علي يد أبنائه قبل أن يأتي من الخارج.. ولعله درس يجب علي الجميع استيعابه بكل تداعياته الآنية والمستقبلية.. وألا يكون نموذجاً للمنطقة. salama_20002010.yahoo.com