لا صوت يعلو في مصر والجزائر فوق صوت تلك المباراة...و قد كانت مباراة القاهرة وتبعتها مباراة اخري فاصلة في السودان وذهبت الجزائر الي المونديال وعادت مثلما ذهبت. كانت مباراة في كرة تركل بالقدم سببا في حرب دون مدافع او طائرات..حرب كراهية استخدمت فيها الدولتان كل ترسانتها الاعلامية والحنجورية تاره والسياسية والاقتصادية تارة اخري، عاما مر دون ان يحاسب احد أحدا.. لم نقف وقفة جادة او حتي هزلية لتقييم مسببات ونتاج هذا الجنون الذي شهده نوفمبر الماضي، اذ ان استرجاع مسلسل الاحداث ليس بالصعب علي من يريد ان يتعلم من خطاياه، اذ فجأة وجد المصريون انفسهم غرقي اغاني وطنية وحماسية جليلة كانت يوما ما تغني لجنودنا البواسل في ميدان الجهاد اذ بها تستخدم لشحذ همم لاعبين في مباراة كرة، صحونا فجأة علي شلاشلات الكرامة المصرية المنهمرة من قنوات الاعلام المصري رسمي وخاص..الكل يتباري في اظهار حبه لمصر....لا بشيء الا السب واللعن لكل ما هو جزائري او عربي..تطاول نال كل كل شيء واي شيء.. ليس هناك خط احمر..لاعبو كرة معتزلون باتوا اعلاميين يقودون بجهلهم وغبائهم الرأي العام... بدأوا شرارة المأساة واشعلوا النار الي النهاية، افتوا في السياسة وكفروا التاريخ واستهزأوا بالشهداء في قبورهم وهتكوا اعراض بالأسنتهم المسمومة، شاركهم فنانون ( هكذا يطلق عليهم ) وراقصات..ورجال راقصون علي حبل الشبق الاعلامي والمزايدة الدنيئة علي حب وطن لا يعرفوه الا من خلال كرة القدم فقط.... كان اوكازيون في الوطنيه.. بطولة بلا فداء.. تضحية بلا عطاء في مشاهد مليئة ببذاءات الجهل والكره الاعمي..غاب العقل والمنطق تماما عن صورة مصر في فضائياتها واحتل الغل كل مكان...اختلاق كذبة تكون حقيقة غير قابلة للشك بعد دقائق..انهمار اغان لنجوم( الطرب ) يسمونها وطنيه تحمل من الركاكه ما يندي له جبين حليم والابنودي وكمال الطويل.. صحفيون ( او هكذا يعملون ) يحرضون علي القتل والسحل..أعلام البلدين تحرق وتدنس هنا وهناك..أعلام يوما ما كانت قد تعانقت علي جبهة السويس مثلما تعانقت في وهران..الاف من شباب يحاصرون السفارة الخضرا بالمهندسين لم نرهم يوما عند السفارة الزرقاء بكوبري الجامعة...طلاب كانوا قد اتوا لاغتراف علم من ازهرنا العتيق فروا الي بلادهم...عمال مصريون هناك يعودون وتقطع ارزاقهم..مصر الكبيرة صغرت كثيرا عندما انساق شعبها وراء ابناء لا يعلمون عن جد قيمة بلدهم حتي وان تغنوا بعظمتها وزعامتها في عزف مقزز لسيمفونية التعاليو المن علي الاخر بحضارة لم يبق منها الا اثار وزعامة لم تعد الا في افلام الابيض والاسود..صغرت مصر عندما سحقت دبابة الاعلام المصري بسكلتة الاعلام الجزائري في رد فعل مفرط في القوة سخر منه القاصي والداني علي حال بلد كانت يوما تغزو وتحرك شعوباً باذاعة صوت العرب اذ بها تخسر ما جنت بفضائيات لا تسعي الا وراء الاعلان الذي لا يأتي الا لسخونة الموضوع حتي وان تعدت حرارته درجة الغليان والانفجار..كسب هؤلاء في مصر ومن تشابه معهم في الجزائر..قنوات اعلاميه لم تكن ذات صيت وقد صنعت اسماً علي جثث المهنية والموضوعية واشلاء قيم لم ولن يؤمنوا بها...فمنذ ايام احتفي من احتفي بتصدر صحيفة مصرية قائمة مواقع الصحف العربية علي الانترنت من حيث تعداد الزيارات ولم يلحظ أحد ان من يشاركها الصدارة هي جريدة الشروق الجزائرية صاحبة الاداء المقزز في تلك الازمة..اذ ان كلاهما قد تغني بنجاحه الاعلامي حتي وان اتي فقط من لعب دور ( وابور الجاز) الاعلامي الذي يتحفنا بكل ماهو استفزازي عن اخبار كل بلد فاتحين المجال لهياج الكتروني من شباب البلدين في الموقعين للسب واللعن والتشكيك اي شيء وكل شيء عملا بحرية الرأي والتعبير عن الكرة والبغض..وها هم نجحوا وربحوا...قريبا سيحصد قارعو الطبول في الجزائر " جيزي" كيكة الاستثمارات المصرية...و في فبراير الماضي رفع اللاعبون والسياسيون وكل القافزين علي صورة الانتصارات الزائفة كأس الامم الافريقية في الوقت الذي رفع فيه ملايين المصريين انابيب البوتاجاز فوق الرؤوس بحثا عن غاز قطعته شركة سونطراك الجزائرية عن مصر.. منذ سنوات قليلة ساقتني الصدفة الي زيارة المغرب...اربعة ايام فحسب كانت كفيلة ان اصل باعتزازي بمصريتي عنان السماء وانا احظي بحفاوة ترحاب وحب حقيقي لمسته في كل مكان لمجرد اعلاني جنسيتي المصرية....الكل يحتفي بي....المصري في بلاد المغرب العربي لازالت صورته تتمتع بتلك الهالة الرائعة التي ضاعت في بلدان عربية اخري نتيجة عوز اقتصادي مره واهمال سياسي مرات.