«إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم» خلق الله الإنسان وميزه بالعقل الذي جعله أهلا للتكليف وجعل التغيير مرتبطا باراداته وجعله محور التغيير ووسيلته وهدفه في الوقت ذاته. إن مناهج التغيير يقاس نجاحها بمدي قدرتها علي إطلاق مواهب الإنسان وطاقاته وملكات انسجامه مع الكون والحياة للوصول إلي البناء الحضاري المأمول، ولذلك فإن أي محاولة للتغيير وإعادة البناء لابد وأن تتجه أولا إلي الإنسان وإلي ما في النفس وعالم الأفكار فتعيد بناءها قبل بناء العمارات أو إنشاء المصانع وتعبيد الطرق، حيث إن المشكلة الكبري أن الكثير من مناهج التغيير تركزت في عالم الأشياء علي حساب عالم الأفكار، لقد قضت سنة الله أن يكون الإنسان هو صانع التغيير في الحياة وأن ارادته هي الفاعل والمحرك. إن من أكبر أنواع الظلم وأشد أنواع التخلف الحضاري ألا يستطيع الإنسان أن يري العلاقة بينه وبين الكون ونحن مطالبون بالسعي لتحصيل العلم النافع وأن نكون سباقين في كل المجالات كما يقول ابن الجوزي، ينبغي للعاقل ان ينتهي إلي غاية ما يمكنه فلو كان يتصور للآدمي صعود السماوات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض!! ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض. إن العجز كل العجز أن يتوهم الإنسان أن الظواهر الاجتماعية لا تخضع لقوانين، وبذلك يلغي دوره ويطفئ فاعليته، والتغيري وإن كان ينصب علي الفرد أو علي الذات بالمعني الفردي إلا أنه كسنة اجتماعية - وليس سنة فردية - لا يؤتي ثماره إلا إذا استوعبته الأمة والقوم، فالآيات تربط التغيير بتغيير ما «بقوم» وليس بفرد واحد، ولذلك جعل الله مسئولية التغيير الاجتماعي جماعية وجعل مسئولية السقوط جماعية أيضا فقال تعالي «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» ورغم أن التغيير يبدأ من داخل النفس ويبدأ من عند الفرد لكنه في نهاية المطاف انجاز أمة. ومن المشكلات والعوائق أمام التغيير التوهم بأن المبادئ هي البرامج والأهداف هي الخطط والوسائل، وأن مجرد الاحتفاظ بالقيم كاف لإحداث التغيير دون ايجاد المناهج لكيفية التعامل معها.. إن مخاطبة الناس بالقيم يمكن أن يحقق شيئا من التوهج الروحي والرغبة في الترقي، ولكنه لن يلبث ان ينتهي لأننا لم نضع له الأوعية والبرامج والخطط التي تأخذ بيد الناس للوصول بهم إلي ما يجب أن يكون ليتم التغيير المأمول، فالمطلوب الآن الانتقال من الحماس إلي الاختصاص وانزال القيم علي أرض الواقع واكتشاف السنن وتسخيرها والله الموفق والمستعان.