سبع أزمات كبرى واجهت مؤسسة الرئاسة المصرية هذا الأسبوع، جاء بعضها استمرارا لأزمات ممتدة منذ شهور وبعضها جددته الأوضاع الراهنة، لتهدد بثورة ثانية فى مصر بحسب ما رآه خبراء. وتتمثل تلك الأزمات فى توتر العلاقة مع المؤسسة العسكرية، والخلاف مع حزب النور، وضرورة هيكلة الرئاسة بعد انسحاب أكثر من نصف المستشارين من الفريق الرئاسي، والعصيان المدنى بمدن قناة السويس، وتعيين نجل الرئيس بإحدى المؤسسات التابعة للدولة، بجانب أزمة ميناء العين السخنة، واستمرار أزمة الحوار الوطنى. تلك الأزمات اعتبرها عماد شاهين أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية فى القاهرة ناقوس الخطر الذى ينذر مؤسسة الرئاسة بثورة ثانية، إذا لم تتعامل معها بالمستوى المطلوب دون مسكنات. وأوضح شاهين فى تصريحات لمراسلة الأناضول أن "مؤسسة الرئاسة مطالبة بضرورة الاستعانة فورا بفريق لإدارة الأزمات، وكذلك تغير نوعى فى أسلوب إدارة الملفات الساخنة والعمل على إنفاذ مشروع الثورة وهو المشروع المستقبلى لمصر". وحذر شاهين من أن تجاهل مؤسسة الرئاسة لخطورة الأمر قد يدعو لثورة ثانية، وتابع أن "معظم الأزمات مجرد انعكاسات لمشكلات جوهرية لم تجد حلا منذ تولى رئيس الجمهورية محمد مرسى قيادة البلاد قبل 8 أشهر كما لم يضع رؤية واضحة للتعامل معها". وضرب مثالا بقوله إن "الأزمة مع المؤسسة العسكرية على سبيل المثال تكررت نظرا لافتقاد إطار يسمح باستقرار العلاقة، ويدعم السلطة المدنية وليس العكس، فعلى الرغم من تنازل مؤسسة الرئاسة فى الدستور لصالح المؤسسة العسكرية التى احتفظت بكافة امتيازاتها، إلا أن هذا التنازل لم يساعد على استقرار هذه العلاقة". وتابع أن "ما حدث مع حزب النور يدل على أن مؤسسة الرئاسة لديها قدرة عالية على استعداء كافة حلفائها بالأمس، بداية من الحركات الوسطية مثل شباب 6 أبريل وحتى حزب النور، وهذا الأمر يشير لعجز الرئاسة عن تكوين تحالفات يمكن الحفاظ عليها". وبالنسبة لأزمة بورسعيد (المدينة الاستراتيجية الواقعة على المدخل الشمالى لقناة السويس)، فقال إن تنظيم أهل المدينة لعصيان مدنى مؤشر خطير حيث لجأ المواطنون لأقصى درجات الاحتجاج السلمى وهى العصيان المدنى ولم يبق سوى الاحتجاج العنيف". وطالب شاهين بضرورة حل الأزمة من جذورها وعدم الاعتماد على مسكنات مثل القرار الذى صدر اليوم بعودة المنطقة الحرة ببورسعيد. وأرجع الخبير السياسى استمرار أزمة الحوار الوطنى إلى تعنت كل من الرئاسة والمعارضة، فالرئاسة تفتقد حتى الان القدرة على تقبل الممارسات السياسية التى تميل للتحدى، والتعامل معها بكفاءة خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تواجه البلاد. وهذا توضيح بتفاصيل تلك الأزمات السبعة منذ خروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسى بشكل كامل عقب قرارات الرئيس المصرى محمد مرسى فى 12 أغسطس الماضي، بإحالة كل من القائد العام للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوى ونائبه الفريق سامى عنان للتقاعد، باتت هناك حالة من الارتباك فى العلاقات المدنية العسكرية، وساهم فى ذلك توالى الخلافات بين الرئاسة والمعارضة واستدعاء القوات المسلحة للتدخل ومطالبتها، من قبل بعض القوى السياسية، بالعودة للمشهد مرة اخرى. وفى ديسمبر/ الماضى خرجت المؤسسة العسكرية بمبادرة تدعوفيها القوى السياسية المتخالفة للقاء على مأدبة غداء، ولاقت الدعوة قبولا من اطياف المعارضة، فى الوقت الذى تأزم فيه الوضع بين مؤسسة الرئاسة والأحزاب المعارضة حول الدستور الجديد للبلاد، ورفضوا تلبية دعوة الرئاسة للحوار قبلها بيومين، ما دفع مجلس الدفاع الوطنى للتأكيد خلال اجتماعه الشهر الماضى على عدم علاقة الجيش بالسياسية. ومع تزايد أعمال العنف بعدة مدن مصرية يوم 26 يناير الماضى بعد صدور حكم قضائى بإعدام 21 من المتهمين فيما يعرف "بمذبحة استاد بورسعيد" التى وقعت فى فبراير 2012 وأدت لمقتل 74 من مشجعى كرة القدم، تدخل الجيش لمساعدة الشرطة فى فرض السيطرة على شوارع مدن قناة السويس، بينما خرجت تأكيدات من قيادات بالجيش بعدها على "حياد الجيش" وحفاظه على مسافة واحدة من الفرقاء السياسيين وأعقب تلك التصريحات تسريبات صحفية أمس الاثنين أشارت لاتجاه الرئاسة إلى إقالة عبد الفتاح السيسى القائد العام الحالى للجيش، ما أثار حالة من التذمر لدى أبناء المؤسسة العسكرية، لكن سرعان ما نفت الرئاسة ذلك، وأكدت على ثقتها فى قادة الجيش. وتفجرت مساء الأحد الماضى أزمة بين مؤسسة الرئاسة وحزب النور المنبثق عن الدعوة السلفية المصرية، بعد إقالة خالد علم الدين القيادى بالحزب من الهيئة الاستشارية لمؤسسة الرئاسة بزعم كشف جهات رقابية عن مخالفات استغلال نفوذ من جانبه، وكان حزب النور الحليف الداعم لمحمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، إلا أنه سرعان من نشبت الخلافات بين الطرفين. وبدأت الخلافات حول حصة المشاركة فى الحكومة والفريق الاستشارى مما أدى لعدم مشاركة النور بالحكومة ومرت العلاقة بالعديد من الخلافات نظرا لتباين المواقف تجاه قانون الانتخابات وتعمق الأمر مع طرح النور لمبادرة تدعو لإقالة الحكومة والنائب العام وفتح حوار مباشر للم الشمل ولاقت المبادرة قبولا واسعا من أطراف المعارضة، ثم جاءت إقالة علم الدين لتعمق الأزمة وتدفع بالنور لسحب كافة أعضائه بالهيئة الاستشارية للرئيس المصري. وتناولت بعض وسائل الإعلام المصرية أنباء عن تعيين عمر مرسى نجل الرئيس المصرى فى إحدى الشركات التابعة للمؤسسة التنفيذية، وتحدثت الصحف عن راتب تجاوز ال6200 دولار لتثير تلك الأخبار أزمة كبرى. واتهم نشطاء مصريون وصحف معارضة مرسى - الذى يواجه احتجاجات من جانب قوى معارضة منذ ما يقرب من 3 أشهر- باستغلال منصبه لتحقيق مصالح خاصة لأفراد عائلته مما دفع بنجل مرسى للإعلان عن عدم استكمال أوراقه اللازمة للعمل بوزارة الطيران المدني، وشدد على أن راتبه الشهرى تحدد ب900 جنيه فقط (حوالى 140 دولارا). وكان قد سبق ذلك بأيام الحديث عن قيام أسرة الرئيس برحلة إلى مدينة طابا السياحية بشبه جزيرة سيناء (شرق)، والتى قالت صحف معارضة إن "ميزانية الدولة تحملت تكاليف الرحلة". وواصلت مدينة بورسعيد الاستراتيجية، الواقعة على المدخل الشمالى لقناة السويس فعاليات العصيان المدنى الثلاثاء لليوم الثالث على التوالي؛ احتجاجًا على ما يراه أهلها تهاونًا فى التحقيقات الخاصة بمقتل العشرات من أبناء المدينة فى أعمال عنف احتجاجى الشهر الماضي. وامتد العصيان للمحال التجارية والهيئات الحكومة والمدارس، وكذلك المناطق الصناعية والمصانع، وفى محاولة لتهدئة المحتجين، التقى فؤاد جاد الله، المستشار القانونى لرئيس الجمهورية، وفدا يضم عددًا من التجار ونوابًا عن المدينة بمجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان والمسئولة مؤقتا عن التشريع)، أسفر عن موافقة الرئاسة على ندب قاضٍ للتحقيق فى أحداث الشهر الماضى وهى إحدى مطالب المحتجين. كما أعلن مجلس الشورى الثلاثاء عن موافقته على عودة المنطقة الحرة ببورسعيد وهو مطلب شعبى لأهلها منذ الثورة حيث كان الرئيس السابق قد ألغى المنطقة الحرة عقابا للمدينة الساحلية على محاولة اعتداء أحد مواطنيها عليه عام 1999. وهى أزمة متكررة منذ عدة شهور ورثها مرسى عن المجلس العسكرى الحاكم قبله، وتتخلص فى أزمة عمالة مصرية لدى شركة موانئ دبي، وتكررت الأزمة مثل غيرها نتيجة الحلول المؤقتة أو"المسكنات". وأعلن العمال اعتصامهم هذا الشهر وإغلاق الميناء الواقع بشرق مصر لمدة 16 يوما مما تسبب فى خسائر وصلت لمليار دولار بحسب تقديرات محمد عبد القادر جاب الله، رئيس هيئة موانئ البحر الأحمر، الذى أعلن أمس انتهاء الأزمة بعد توقيع اتفاقية بين مستشار رئيس الجمهورية وهيئة موانى البحر الأحمر وقيادات الجيش الثالث الميدانى بالسويس وشركة موانئ دبى الحاصلة على حق إدارة ميناء العين السخنة، بجانب موافقة شركات الخدمات التى كانت قد حصلت على عقود للعمل بميناء العين السخنة. واستمر الحوار الوطنى يشكل أزمة كبرى على الساحة السياسية المصرية طويلا، فمنذ نوفمبر/تشرين الثانى الماضى عندما أصدر مرسى إعلان دستوريا منحه صلاحيات واسعة وتمت بموجبه إقالة النائب العام عبد المجيد محمود، ومائدة حوار الرئاسة تخلومن قيادات المعارضة إلا حزبى مصر القوية والتيار المصري. وكان الرئيس المصرى التقى قيادات المعارضة وعلى رأسهم محمد البرادعى رئيس حزب الدستور وحمدين صباحى زعيم التيار الشعبي، وعبد المنعم أبوالفتوح رئيس حزب مصر القوية، والسيد البدوى رئيس حزب الوفد، قبل إصداره الإعلان الدستورى دون تباحث مضمون الإعلان معهم مما أدى لغضب المعارضة. وأطلقت مؤسسة الرئاسة خلال تلك الفترة 4 دعوات للحوار لم تتفاعل معها المعارضة، على الرغم من إعلان الرئاسة اعتزامها القبول بنتائج الحوار وكذلك وضع جدول أعمال واضح للحوار، وتضع المعارضة 5 شروط للحوار فى مقدمتها إعادة تشكيل الحكومة وإقالة النائب العام طلعت عبد الله وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. وأثارت إقالة مستشار الرئيس لشؤون البيئة خالد علم الدين مطلع الأسبوع الجارى الحديث عن ضرورة هيكلة مؤسسة الرئاسة المصرية، فى ظل انسحاب 12 مستشارا من الهيئة الاستشارية التى تتضمن 23 مستشارا ومساعدا خلال 3 أشهر فقط. كما أعلن المتحدث الرئاسى ياسر على اعتزامه ترك منصبه لتولى منصب إدارة مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، فيما أعلنت الرئاسة عن تشكيل مكتب إعلامى لها، وذلك وسط مطالبات بضرورة هيكلة مؤسسة الرئاسة وتوسيع دائرة صلاحيات مساعدى الرئيس فى الشؤون الإدارية والسياسية.