تفرض الذكرى الثالثة والأربعين لرحيل الرئيس جمال عبدالناصر نفسها بقوة على المشهد المصرى الحالى طبقاً لمقولة فى الليلة الظلماء يفتقد البدر.. حيث ترفع صور جمال عبدالناصر فى المظاهرات والبعض يطالب باستنساخ رئيس مثله ليحكم البلاد. وإذا كان جمال قد قام بثورة 23 يوليو ليغير هوية مصر من الملكية إلى الجمهورية ومواجهة الفساد الذى كان مستشرياً وقتئذاً. إلا أنه قد يكون من الضرورى أن تناقش إيجابيات وسلبيات »ناصر« حتى تكون نبراساً ومعلماً واضحاً أمام الرئيس الجديد الذى يريده المصريون بجلباب جمال. لا أحد يستطيع أن ينكر ما قام عبدالناصر من تغييرات اجتماعية واقتصادية جذرية فى البلاد سواء فيما يتعلق بنظم الملكية والإصلاح الزراعى والقضاء على الاقطاع وفتح أبواب السلم الاجتماعى للفلاحين والفئات غير القادرة وأضف إلى ذلك إنشاء العديد من المصانع المتنوعة دامت كان يستهدف منها الاستقلال الوطنى وإقامة السد العالى بصراحة هناك إنجازات اقتصادية واجتماعية لا تخطئها العين. إلا أنه وبعيداً عن هزيمة 67 الذى أعترف ناصر بمسئوليته عنها رغم أن الأوضاع السياسية التى كانت سائدة أنذاك ضده إلا أننى أرى أن الخطأ الأكبر الذى دفع فيه عبدالناصر يمثل فى قضية الديمقراطية رغم انها كانت من المبادئ الأساسية لثورة 23 يوليو ورغم الفساد الذى كان يقسم به عصر الملكية إلا أن الحياة الحزبية والسياسية كانت رغم كل ما يوجه لها من إنتقادات ترتدى عباءة الديمقراطية وكان من المتوقع ان يتم تطويرها للوصول إلى الممارسات السليمة. لقد إلغى عبدالناصر الأحزاب ومنح الجيش سلطات واسعة وعندما أراد أن ينشأ تنظيمات جماهيرية أعتمد على التنظيم الواحد ورسم له أهدافه التى تصب فى خدمة حماية النظام القائم.. مثل الأتحادين القومى والاشتراكى.. ولم تعد تسمع فى البلد إلا صوتاً واحداً وحديثاً واحداً ولا أحد يستطيع أن يطرد خارج السرب.. ومن يشذ عن ذلك تصبح السجون المأوى حيث مورست كل ألوان العذاب. وغابت الديمقراطية وحرية التعبير ولا أحد يحاسب أحداً وعندما أصيبت البلاد بهزيمة 67.. أتفق الكثيرون إنها جاءت من غياب الديمقراطية. إلى كل الذين يتطلعون إلى سدة الحكم ويجلسون على كرسى الرئاسة.. عليهم ان يعلموا ان نجاحهم فى الحكم واستمرارهم يتوقف على مدى أحترامهم للديمقراطية.