لا يعنيني بشكل شخصي ما إذا كان اللقاء الذي تم بين الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل وكلا من الدكتور محمد علي بشر والدكتور عمرو دراج القياديين بجماعة الإخوان المسلمين والوزيرين السابقين بحكومة الدكتور هشام قنديل، قد تم وفق وساطة رسمية من الدولة ، أو أن اللقاء حددته الأقدار بعد أن قال "الأستاذ" في حواره الأسبوعي لقناة "سي بي سي" مساء الخميس الماضي أنه جاء بعد أن تلقي مكالمة هاتفية من الدكتور بشر ينفي خلالها قيام «الإخوان» بسرقة فيلته ببرقاش واقتحام مكتبته وحرق محتوياتها، فاقترح هيكل اللقاء لعدم رغبته الحديث عبر الهاتف. وقد أسعدتني إشارة هيكل إلي أنه خلص من اللقاء بأن "الإخوان" استوعبوا صدمة خروجهم من حكم البلاد وأنهم أدركوا أنه لا عودة للماضي، وأنهم يبحثون الآن عن طريق للمستقبل، لكنهم - بحسب استنتاج هيكل مازالوا يعيشون لحظات توابع الصدمة أو الزلزال حسب وصفه! ولأنني كنت قد كتبت الأسبوع الماضي تحت عنوان «براجماتية القوة»، داعيا في نفس المكان إلي تغليب مصلحة مصر فينا بفتح قنوات اتصال مع الآخر ما لم يرفع سلاحا في وجه أي مواطن أو يكدر السلم والأمن الاجتماعيين أو يهدد استقرار البلاد، حتي مع من له منهم مرجعية دينية يلتحف بها، وقلت بالحرف الواحد : "لنتكلم . نتصارح.. نتقارب.. نختلف.. نرفض.. نكاشف.. نتنازل، نعم نتنازل، نقدم «رجلا» ونؤخر أخري لا بأس.. من أجل صالح مصر وشعبها الطيب بكل أجناسه وطوائفه وفئاته وأطيافه، فلم أنزعج مما كشف عنه «الأستاذ هيكل» من أن الخلاف بينه وبين ضيفيه قد دب حين كررا كلمة «انقلاب» في وصفهما لثورة 30يونيه ،قبل أن يؤكد لهما وعليهما بأن ما جري أكبر كثيرا من تلك الكلمة. الجميل أن اللقاء أمسك بمفاتيح أخري ربما تكون هناك فرصة للاستعانة بها في المراجعات الفكرية والسياسية لدي قادة الإخوان والاعتراف بأخطائهم السياسية وتحمل المسئولية تجاه ما حصل من أحداث مؤسفة خلال العام الماضي ، ناهيك عن استعلائهم في الحكم وغطرستهم بالتمكين له باسم الشرعية الدستورية. أبرز هذه المفاتيح تجدها في كشف هيكل ل«بشر ودراج» وباستفاضة عن رؤيته لمفهوم ومعني «الشرعية» الحقيقية وكيف انها تختلف عن «وضع اليد»، فيما علم هيكل- بلغة العامة- علي فكر جماعة ضيفيه حين ابلغهما بأن بداية الازمة " أنكم رفضتم مطلباً شعبياً واضحاً، وهو الاستفتاء على الرئاسة المبكرة. فقالا نحن لم نرفض، لكنهم هم وضعوا شرطاً بضرورة تنفيذه في ظرف عشرة أيام بدعوى أن الظرف لا يحتمل، والدكتور مرسي كانت وجهة نظره أن يجري هذا بعد الانتخابات البرلمانية". حتي لو كان هيكل لم يحمل تفويضاً رسمياً من مؤسسة الرئاسة للحديث مع ضيفيه الإخوانيين، وأنا أصدقه، فإن اللقاء وكما يبدو لي جاء مثمرا، ففيه كشف لموقف الجماعة الحالي من استيعاب صدمة خروجهم من الحكم، يأتي بعد ذلك تصحيح «الاستاذ» لفهمهما وجماعتهما بأنصارها والمتعاطفين معها للشرعية والإرادة الشعبية،بعد ان كرر بشر ودراج علي مسامعه كلمة«انقلاب». في النهاية هو أمر حسن علي أية حال، علي اعتبار أن بدايات الحلول السياسية سواء ما اتسم منها بالصبغة الرسمية، وهذه لم تأت بعد، أو ساقتها الأقدار كما في حالة هيكل، دائما ما تكون خشنة متعنتة صدامية ، خاصة من الجانب الأضعف في المعادلة السياسية، خاصة والحال كذلك إذا ما كان هذا الأضعف في موقع السلطة والحكم بعد ثمانين عاما من البناء الدعوي والسياسي، قبل أن يجره غباؤه السياسي إلي خارج المشهد بالمرة ورفض غالبية الشعب له، ذلك مع الأخذ في الاعتبار انه ليس كافيا أن تقر قيادات الجماعة بأخطائها في الحكم كما في مبادرات " زوبع" و"إخوان بلا عنف" ثم تستمر في الاستعلاء بتجاهل الإرادة الشعبية التي أسقطت النظام الإخواني في 30يونيه، مع اصرار غريب علي وصف هذه الإرادة بالانقلاب. علي جماعة الإخوان المسلمين أن تترجم سلميتها المزعومة دعويا وسياسيا علي الارض، بالابتعاد عن أعمال العنف والبلطجة التي تمارسها باستمتاع غريب في قطع الطرق السريعة وفي ميادين وعواصم المحافظات بين حين وآخر، وأن تكف عن دعوة أنصارها لتعطيل مرور السيارات فوق الكباري،وكذك تعطيل حركة المترو ودعوة أعضائها لتكديس عرباته بجنيه طوال اليوم دون الخروج منه لتكبيد الدولة خسائر فادحة جراء ذلك، والتحريض علي إثارة القلاقل في أول أيام الدراسة بالمدارس والجامعات وعلي عدم دفع فاتورة الكهرباء الخاصة بالمنازل والمحال التجارية والشركات!! إذ كان الإخوانيان بشر ودراج قد قصدا استغلال حكاية المكتبة وفيلا "الاستاذ"، كمحطة أو كما نقول «حجة» للقاء هيكل علي إنفراد، وتوصيل رسالة معينة إلي مؤسسة الرئاسة مفادها أن الإخوان- وإن بدوا معاندين- يبحثون عن حل سياسي، وفتح الباب لحوار ينقذهم من الحبل الذي لفوه حول رقابهم بعزلهم من الحكم والشارع، فأهلا وسهلا وهم يعرفون السكة، أما إذا كانت مؤسسة الرئاسة قد استغلت الاتصال الإخواني لهيكل فأرادت قراءة آخر سطور المشهد عن قرب فسمحت له دون تفويض رسمي باستضافتهما، فإن المحصلة أن هيكل ألمح عبر قناة "سي بي سي "إلي ترنح "الجماعة" واستيعابهم صدمة خروجهم من حكم البلاد مدركين أنه لا عودة للماضي وانهم يبحثون فقط خلال هذه المرحلة عن طريق للمستقبل. ما فهمته من كلام" الاستاذ"، أن "الإخوان" مرتبكون، فقلوبهم وعقولهم تقر بأخطاء الماضي معترفة بالثورة، بينما ألسنتهم ترفض النطق بها، وهو ماليس بغريب علي الجماعة التي تعتنق مذهب «التقية» الشيعي لكي تقول ما لا تعتقد لتحافظ علي كرامتها، كبرا أحيانا ، أولتدفع الضرر عنها، مراوغة أحيانا أخري!! This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it. .