طبيعة تتسلل بهدوء من لوحات الملواني بالأوبرا محيط - رهام محمود افتتح مؤخرا معرض الفنانة هدايت الملواني بقاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا المصرية، والذي عبرت فيه عن الطبيعة المصرية برؤية تعبيرية تجريدية، وبألوانها التلقائية الجريئة. درست الفنانة هدايت الفن في أتيليه الفنان الدكتور مصطفى الرزاز والفنان الدكتور فرغلي عبد الحفيظ، وقد حافظت على شخصيتها المصرية في كل لوحاتها، فبالرغم من سفرها للعديد من الدول الأجنبية إلا أنها لم تتأثر بها إلا قليلا، حيث نرى ملمحا بسيطا من هذه الدول في بعض اللوحات، بينما نشهد الروح المصرية تغلب على معظم أعمالها، بقراها وريفها وجبالها وصعيدها وبحرها. رسمت الفنانة هدايت الملواني البورتريه في بداية طريقها الفني، ولكنها تناولته بطريقة مختلفة، وكانت ترسم وقتها عائلتها وأصدقائها . ثم اندمجت بالتدريس الجامعي وحصولها على الماجستير والدكتوراه، ثم انشغلت بهذا المجال فترة طويلة عن الفن، وكانت تدرس الأدب والشعر الإنجليزي الذي تهواه أيضا في جامعة عين شمس لمدة 22 عاما حتى عام 1989 . استقالت الملواني وعادت لهوايتها وهي الرسم، التي تفرغت لها منذ ذلك الوقت، ولكنها دخلت في مرحلة جديدة بخلاف البورتريه، حيث تشبعت برؤية الطبيعة، ثم أخذت تجلس أمام اللوحة لينعكس عليها إحساسها مباشرة دون تفكير مسبق. بدأت بالتعبير عن الصحراء ثم البحار والجبال والهضاب المصرية، كما تناولت مشاهد من الغروب والشروق وغيرها من المناظر الطبيعية الجميلة في أوقات اليوم المختلفة، ولكن بأسلوب تجريد تعبيري، وبتلقائية شديدة على مسطح اللوحة. ضم المعرض ما يقرب من 90 لوحة، أبدعتها الفنانة منذ عام 1989 وحتى عام 2008، استخدمت في بعض أعمالها سكينة اللون، والبعض الآخر الفرشاة، مهتمة بالملمس في أغلبها، فهي تتناول لوحتها وتنهيها بسرعة كبيرة كي تسجل انطباعها مباشرة عن الطبيعة،وتفضل استخدام الألوان الزيتية عن غيرها من الألوان السريعة التجفف كالأكريليك المتعارف عليه في إنهائه اللوحات سريعا. تقول الفنانة : أنا أحب الطبيعة جدا والصعيد والقرى والبيوت النوبية والأرياف، وأحزن لكثرة بناء البيوت بالطوب الأحمر حاليا ،مما يفقدها شكلها الأصيل ، وكان ينبغي التجديد من الداخل وليس من الخارج ، فقد كانت القرية وكأنها عائلة واحدة بينها دفء ومحبة، ولكن استخدام الطوب كان دلالة على تغير أسلوب الحياة . تضيف: الرسم يعطيني راحة نفسية، فأنا أرى أن الفن يبث السعادة. أتأمل الطبيعة بعمق كي استوحيها بعد ذلك في أعمالي وقتما تكتمل الرؤية بداخلي وأشعر أنني مستعدة تماما لإخراجها على اللوحة، فتنعكس بتلقائية دون أن أقصد تناولها أو التعبير عنها، كما أنني أحب أن أكون حرة في الرسم واستخدام الألوان، وأن أظهر الحركة في أعمالي. في إحدى مراحلها الفنية تأثرت بالحروب حيث انعكست على بعض أعمالها الألوان الحمراء كناية عن القتل والدم، كما أننا نلاحظ بتلك اللوحات أشخاصا هاربة من بعد، نكاد نراهم مشردين تائهين في كل اتجاه. يقول الفنان مصطفى الرزاز: تغوص الفنانة هدايت في أعماق نفسها المتوهجة؛ لتخرج لنا بفرشاتها عالما مليئا بالحركة واللون؛ لأنها تؤمن بأن الفن كائن حي ينبض بالحركة، وأن كل مبدع مزيج من تناقضات كثيرة. أسلوبها الفني ولوحاتها تعكس مصريتها الأصيلة وانفتاحها على مدار الفن العالمي. كما حققت توافقا مدهشا مع شخصياتها ذات النزعة الإنسانية الصافية التي يؤرقها أحوال الناس والأمم، والتي تتمتع بشفافية تجاه تقلبات الطبيعة، نعومة وخشونة، ومن ثم فقد أصبحت فنانة تعبيرية تعصف بألوانها بمشاعرها بصدق درامي بالغ الوضوح، ضربات فرشاها وجرات سكاكين التلوين تعكس نبضا يكاد يكون هو ذاته نبض النبيل. ترى في أعمالها جماليات غضب الطبيعة وعواطف العواطف، تعكسها الهضاب والجبال والأشجار، وكأنها كائنات ذات مشاعر تجاه عبث الإنسان بالبيئة وبالحياة نفسها. أنها فنانة مصرية فريدة من نوعها.