أمل نصر بين جماليات الرمز والعفوية محيط - رهام محمود افتتح الدكتور رضا الشيني رئيس أقليم القناة وسيناء والدكتور الفنان فاروق مصطفى مدير عام الفنون التشكيلية بالهيئة العامة لقصور الثقافة معرض الفنانة الدكتورة أمل نصر في قاعة الفنون التشكيلية بقصر ثقافة بورسعيد، والذي سيطوف فيما بعد عدة محافظات أخرى. تزينت قاعة العرض بنحو عشرين لوحة، استخدمت الفنانة فيها الألوان الأكليريك على الخشب والتوال، وقد تميزت تجربتها هذه بالمزج بين التلقائية والعفوية التي تعطيها مساحة أكبر من الحرية في ممارسة العمل تحرص الفنانة على الحفاظ عليها والبناء المحكم للعمل الفني. ظهرت هذه الأعمال في إطار التجريد التعبيري، وبالرغم من أن اللوحات يمكننا تصنيفها على أنها تجريدية، إلا أن الفنانة تحتفظ ببعض العناصر من الواقع كالكتابات والرموز القديمة والحديثة، مضافة إلى لغة التجريد التي تقوم على الخط واللون والمساحة؛ فالعمل التجريدي يعتمد على وجود مفردات أساسية تحمل عناصر من الواقع، تمنحها بعض السمات والإيحاءات ولكن بشكل مجرد من خلال لغة الشكل فقط. في مراحلها السابقة اهتمت الفنانة فور تخرجها من كلية الفنون الجميلة "الإسكندرية" بالأسطورة اليونانية، فكانت تبحث كثيرا في هذه الموضوعات؛ ولذلك اعتمدت أعمالها في تلك المرحلة على مفردات الأسطورة وبدايتها أفروديت "الملاك المجنح"، فالمرأة كانت همها وشاغلها في تلك الفترة، فكرها. ثقافتها. حريتها. فشعرت الفنانة بما يوحيه هذا التمثال من رموز، أو التي اسقطتها الفنانة عليه، فهو بلا رأس، كما صورت الفنانة المرأة أيضا في أعمالها بلا رأس، وكانت ترمز بذلك أنها بلا عقل، كما أنها ظهرت بلا أطراف رمزا لفقدانها القدرة على التصرف واتخاذ القرارات؛ ولذلك وضعتها الفنانة في دواليب من الزجاج، حيث تأثرت بتلك الدواليب من كثرة ترددها على المتحف اليوناني الروماني؛ ولذلك انتجت الفنانة مجموعة أعمال كبيرة من هذه التجربة تناولت كل منها برؤى وأفكار متعدده. بعد ذلك بدأ يختفي هذا التمثال من أعمال الفنانة ككتلة لكنه بقي وظل كلون وخط خارجي يتكثف ويتفكك، يقع عليه عدة تغيرات وتحولات حتى تم تجريره، فدخلت الفنانة مرحلة جديدة اهتمت فيها بالكتابات القديمة والرموز والطلاسم والرسائل القديمة والحفريات، فتحقق بلوحاتها مزج فيما بين المرحلتين؛ فالفنانة لا تميل للتجريد المطلق، بل تميل للتجريد المشبع بالرموز، وهذا ما يعطيها خصوصية وفرادة. ألوانها زاهية وصريحة، تميل في أغلبها للون الأحمر ومقابله الأخضر، اللذان يجزبا عين المشاهد برؤية واضحة، ليقترب من اللوحة وينظر في مفرداتها ورموزها بعمق، فيجد بعضها محور ومجرد مستوحى من الطبيعة، والبعض الآخر عبارة عن كتابات ورموز قديمة، موزعة ومرسومة في أماكنها، التي تحافظ بها الفنانة على جماليات التكوين؛ ليظهر في شكل محكم ومتقن، تعبر ثناياه عن طبيعتها السكندرية، مكان نشأتها، فهي عاشت وترعرت في الإسكندرية منبع إلهام فنانيها، ونمت موهبتها منذ الصغر حتى دخلت كلية الفنون الجميلة، وتخرجت منها وحصلت على دكتوراة الفلسفة في الفنون الجميلة عام 2000. وفي المعرض التقينا الفنانة وكان لنا معها شبكة الإعلام العربية "محيط" هذا الحوار: محيط: إلى أي مدى تأثرت بالإسكندرية؟ د. أمل: أنا أعشق الإسكندرية والبحر منذ صغري، فأنا بطبيعتي لا استطيع العيش في مكان مغلق، بل لابد أن أرى الأفق مفتوحا، فالبحر مكان لامتناهي ومفتوح، يجزبني ويشدني كي أقف كثيرا أمامه، اتأمله. أخاف منه. أرى ألوانه وحالات الضوء به وخصوصا في الليل، فهو بالنسبة لي كيان أسطوري وغامض يمكن تحميله بدلالات متعددة، فهو بالفعل موجود في أعمالي كلون وإيقاع، فأنا أشعر بالإسكندرية في لوحاتي حتى ولم كنت اصور أي مكان بها، فمن يرى لوحاتي يشعر على الفور بأني فنانة سكندرية. محيط: هل هذه تجربتك الأولى التي تعرضي بها أعمالك في محافظة من محافظات مصر؟ د. أمل: هذه هي المرة الأولى التي أعرض فيها أعمالي بمعرض طواف في محافظات مصر المختلفة، إيمانا مني بدور الثقافة الجماهيرية، وإيمانا أيضا بأنني ضد مركزية الثقافة والفنون؛ لأني أشعر أن المحافظات الأخرى بخلاف القاهرةوالإسكندرية يحمل جمهورها شغف واهتمام بالفنون، ولم تتاح لهم عروض كثيرة، في الوقت الذي يكون عندنا في القاهرةوالإسكندرية زخم في العروض يجعلها أحيانا لا ترى، فيجب أن يتبنى الفنانون فكرة المعارض الطوافة لأعمالهم. محيط: أنت تدرسي في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية فهل للمكانة الأكاديمية تأثير على شهرة الفنان ؟ د. أمل: بلا شك التدريس والعمل الأكاديمي يأخذ جزءا كبيرا من الوقت، عدا الفنان الذي يعتبر هذا العمل نوعا من الإحياء لأفكارة والممارسة العملية لها وفكرة تطبيقاتها في التدريس، ليس بمعنى أنه يدرس فنه، بل أعني أنه يكتشف كيف يدير المواهب التي اصبحت قليلة ونادرة، وأن يفعل ذلك بحب، ففي هذه الحالة لم يكن هناك أي تعارض، ولكن التعارض الوحيد سيكون في فكرة الوقت الذي سيقسم في أكثر من اهتمام، وأنا بالفعل أعاني من هذه المشكلة لأنني عندي محاولات في الكتابة، فالكتابة تقتص من وقتي، لكنها تعطي لي متعة أخرى احتاج إليها، كما أنها تعطي لي فرصة أكتشاف الفن والخبرة، وأي خبرة من المفترض أنها تصب في تجربة الفنان، وبالرغم من ذلك لكي اعتبر هذا مأذق أن تكتب وترسم فتتعرض لنوع من التنازع. محيط: من مثلك الأعلى من الفنانين؟ د. أمل: بالنسبة للفنانين المصريين احترم منهم الكثير وأحب أعمالهم، بداية بأساتذتي بالكلية "فنون جميلة قسم تصوير"، حامد عويس، عبد السلام عيد، محمد سلام وغيرهم كثيرين تأثرت بأعمالهم، كما تأثرت أيضا بفنانين عالميين كماتيس ديبوفي، بونار وغيرهم من استفدت من تجربته. محيط: أنت عضو لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلى للثقافة، ما هي شهادتك عن مئوية الفنون الجميلة؟ د. أمل: عندما حضرت معرض "مئوية الفنون الجميلة" الذي يقام حاليا بقصر الفنون، شعرت بحالة من الشجن والحضور للتاريخ، واحسست بأنني لو اردت استحضار حياة الفنانين الأوائل الرواد وحيرتهم وترددهم من الأساليب الأوروبية الغربية الأكاديمية التي كانت تدرس لهم، ومحاولاتهم في إيجاد خروج والبحث عن شخصيتهم، فمعرض المئوية كان استحضار وتلخيص وتركيز لمائة عام فن في مصر، فأنا بطبيعتي باحثة في الفنون الجميلة، وهذا يجعلني راغبة في التقصي والبحث ومعرفة المسارات الممتدة في التجربة التشكيلية المصرية وتصفيتها على سماتها الحقيقية المصرية الموجودة من مائة عام من وقت إنشاء الكلية وحتى اليوم. محيط: ما تقييمك لأعمال الشباب؟ د. أمل: بالنسبة لصالون الشباب حدث مهم أخرج الكثير من الفنانين، وشجع الشباب على ممارسة العمل الفني، واعطى لهم قنوات كثيرة للتجريب، ولكن التحفظ عندي هو أن بعض الشباب بدأ يقيم نوعا من الأكاديمية الجديدة، بأنه يرى الأعمال التي حصلت على الجوائز ويكررها مرة أخرى، بل ويفتعلوا البعض الجرأة ويحاولوا اللحاق بتجارب يمكن أن تكون غير أصيلة بالنسبة لهم، ولكنه كنوع من الرغبة في اللحاق بقطر المعاصرة، وهذا يحدث في شكل "موضى" في العمل الفني المركب والفوتوغرافيا والكمبيوتر جرافك، فكلما يظهر وسيط جديد يحدث نوع من الاندفاع وراءه بصورة أحيانا يكون بها نوع من الأفتعال، لا تنسجم مع تجربتهم الحقيقية التي يجب عليهم تعميقها، حتى ولو كانت في أكثر الوسائط تقليدية. محيط: ما رأيك في الحركة التشكيلية حاليا؟ د. أمل: الحركة التشكيلية بوجة عام تعكس كل التغيرات التي تحدث في المجتمع، وكل تناقضاته، والإختلاط والفوضى والعشوائية الموجودة حاليا. بها الجيد والسيء والمفتعل وما ينقل، والذي يجري وراء شيء لم يكن ملكه، فالحركة التشكيلية تعكس بشكل عام معترك لا نستطيع الحكم عليه لأنه يكون جزءا منه، ونحتاج سنوات طويلة كي نحكم علية. في معرضها قال الفنان البورسعيدي عباس الطرابيلي: معرض الفنانة أمل نصر من المعارض المميزة جدا التي عرضت في قصر ثقافة بورسعيد، وأنا اتابع أعملها منذ بدأت تظهر على الساحة الفنية، وقرأت الكثير من كتابتها، والغريب أنني قبل أن أرى اعمالها الأخيرة شعرت أنها بدأت تكتشف عوالم تكاد تكون قريبة من فلسفتها الفنية ووجهة نظرها في الفن، والحركة المتدفقة أوالعنيفة في التعامل مع ملمس السطح والفرشاة واللون، واستخدام الأرضية في اظهار مقدمة العمل، أو إضافة أعمال على الأرضية، لكن ما يميز أمل أولا أنها تستطيع أن تتحكم في مسطح اللوحة، شكله. خربشاته، ألوانه المختلفة، وإضافة ألوان محايدة تؤكد وتظهر بعض المناطق التي لا تستطيع اليد أن تتقنها بشكل عادي، فهي "تعكس الآية"، في أنها تطرح تساؤلاتها على السطح من خلال فرشاة عريضة واسعة، تظهر لنا مناطق تعطي هذا الزخم من التنوع، واللابديهي أنه إذا جاز التعبير أن نقول عن ذلك لعبة، فكثير من الفنانين في بداية أعمالهم يتميزون بحالة من التوهج واسقاطات مساحات بها الكثير من الإهامات التي لا يمكن أن يسيطر عليها العقل إلا باستخدام شيء محايد، فالدكتورة أمل تفعل ذلك، وتختار لون يتوافق مع فكرتها بحيث أنها تظهر العناصر التي تتوه في اللوحة، فهي تختزل أحيانا من السطح لتظهر هذه العناصر، كما تضيف إليه أحيانا أخرى فتظهر أيضا العناصر بشكل آخر، وهذا أهم ما يميز أعمالها. بينما قال الفنان الدكتور فاروق مصطفى: التجريد التعبيري الذي تلمسه الفنانة أمل نصر في لوحاتها يعتبر جديد بالنسبة للفن التشكيلي في مصر، حيث أن لوحاتها تحمل بنائية شديدة الحساسية يمكنها أن تقتطب بعض أعمال فنانين العالم وفنانين مصر، لكن ما يميز الفنانة أنها تمتلىء بالثقافة والاحساس والأرتباط بالمزاج النفسي والفكري في لوحاتها؛ ولذلك نجد لوحاتها كثيفة الرموز وغزيرة المعاني والتعبيرات، هذا بجانب أن اللون عال وبه نسق سيكولوجي غريب يعبر عما في ذات الفنانة، وقلما يوجد فنانين في مصر والعالم يجمعون بين عناصر التشكيل وعناصر بناء العمل التشكيلي بطريقة جمالية، وهذا ما يمنح الفنانة التفرد. عادة لا نجد في لوحاتها ألوان صريحة بل يظهر اللون وسطي وممتزجا، فالمجموع اللوني بالرغم من صراحتة لكنه به مزج تعبيري جيد جدا، كما تتميز لوحاتها أيضا بتسجيل ثقافاتها من حضارات إسلامية وفرعونية وحضارات قديمة جدا، ونظرا لأنها كاتبة متميزة تمتاز بالسرد التاريخي التقني في نقدها أو كتبها التي نشرتها فهذا يعطيها نوعا من التفرد في أنها تمارس مجالين من الإبداع. يضيف د. فاروق: تبروز الرمزية بطريقة تعطي بنائياتها سمات متفردة، كما أنها لها مجموعة من الأعمال تتميز بالشفافية في اللون، تعتبرها الفنانة مرحلة مائية لكنها شفافة رغم كثافة اللون، وبالتالي نجد رموزها دائما بسيطة ومعبرة بداخل الشكل الذي تحترمه وعناصر التشكيل، بالإضافة إلى حساسيتها في تناول الرموز وتناسقها مع موضوعها وفكرتها.