هي ناقدة وفنانة.. نالت شهرة كبيرة في مجال النقد التشكيلي, عملت بالصحافة طويلا , شاركت في تحكيم بيناليات الطفل ولم تنس يوما الفن, هي الفنانة شادية القشيري والتي يستضيف المركز المصري للتعاون الثقافي الدولي آخر معارضها تحت عنوان "أبيض وأسود". شاديه القشيرى محيط رهام محمود : انفردت الفنانة بأسلوب خاص بها ودائما ما أقدمت على تطوير أعمالها, فهي في كل معرض تقيمه تقدم فكرة جديدة, وتجربتها في هذا المعرض باللونين الأبيض والأسود تكونت من 32 لوحة استوحتها من بعض لوحات معرضها السابق, حتى وصلت إلى هذا الحد من التميز, والجرأة في استخدام اللونين المتضادين الأبيض والأسود بدقة وبراعة. انقسم المعرض في قاعتي العرض إلى قسمين, القاعة الأولى لوحات بألوان الباستيل, والقاعة الثانية لوحات كولاج "قصاصات الورق المجمع في لوحة". استلهمت الفنانة شادية القشيري الوجوه البشرية بلونين فقط وهما الأبيض والأسود, ففي القسم الأول من المعرض استخدمت أقلام الباستيل البيضاء والسوداء على أوراق باللون الأسود لتلقي الضوء على ما يمكن اكتشافه من علاقات جمالية بينهما لتؤكد أن الأبيض والأسود بتجاورهما معا يمكن أن يخلقا نوعا رائعا من التوافق الجمالي. وقد جردت الفنانة ملامح الوجه البشري لتصبح أقواسا أومستطيلات مختلفة الأطوال والأحجام, تنوعت هذه الملامح الآدمية بين التجسيم والتسطيح.. الدقة والعفوية.. الإقتراب والتباعد.. الصعود والسقوط أوالإنحدار.. وكل ذلك من خلال الإضاءة التي يوحي بها الأبيض, والقتامة التي يجسدها الأسود, بما يعكس المتغيرات المتلاصقة والمتناقضة المختلفة التي يعيشها الإنسان المعاصر في كل مكان, كما يؤدي تجاور الأبيض والأسود دون مناظر على المستوى الإنساني إلى رقي الجنس البشري دون إنحداره أو فناؤه . أترى الفنانة أن الفن التشكيلي يعد من أهم السبل التي تتيح لنا رؤية الجمال الذي يمكن تحقيقه بين المتناقضات, لأنه يخاطب الإحساس بسهولة, والإنسان غالبا ما يدرك بالإحساس اسرع بكثير مما يدرك بالعقل أو اعمال الفكر, لوحه باستيل لشاديه القشيرى كما أن الأبيض والأسود في اعمال الفنانة ليسا متضادين فكل منهما يؤكد الآخر, وقد يجب علينا أن نكثف قيم الجمال بين التناقضات وها هي في طريقها إلى التوافق. تقول الفنانة: يبدأ العمل الفني دائما بإحساس داخلي للفنان يدفعه لممارسة الإبداع.. وينتهي العمل الفني بإحساس جديد يرسله العمل ذاته إلى الفنان مما يعمق لديه التجربة الإبداعية أو الفنية. واضافت: تجربة رائعة أن أتعامل مع متضادين وهما الأبيض والأسود دون أن أشعر بأي تنافر بينهما, لذا فأني لم أبذل أي جهد لخلق توافق بينهما, ربما لأن إقتناعي بحتمية تعايش الأبيض والأسود على مستوى الإنسان قد ولد عندي إيمانا عميقا بجمالهما معا. استوحت الفنانة ملامح الوجة البشري لكن بشكل تجريدي, حيث تحررت من الإطار الخارجي للوجة, وتعاملت معه كعناصر تشكيلية, كما اهتمت بالتفاصيل, فقد جردت الأهداب لتصبح خطوط, والأنف مستطيل وفتحتيه مربعين, والعيون مستطيله أو مربعة, فحولت ملامح الوجه إلى عناصر تشكيلية تخدمها في تكوين بنائيات معمارية ترمز إلى الإنسان بوجه عام, وقد أدى استخدام أقلام الباستيل البيضاء على الورق الأسود إلى خلق ملامس على سطح اللوحة, أدت إلى إثراء العمل الفني. لكن عند استخدام الفنانة لهذة الأقلام البيضاء على الورق الأسود أعطاها درجات مختلفة من الرماديات التي تبدأ من الأسود لتنتهي تدريجيا بالأبيض والعكس, فاتضح في هذه التجربة أن الأبيض ليس ناصعا تماما, لذلك قررت القشيري الدخول في مرحة جديدة وهي المتمثلة في القاعة الأخرى بالمعرض, استخدمت فيها الورق الأبيض النقي والأسود العميق معا, فأدركت أن الكولاج سوف يحقق هذه الفكرة, فأخذت نفس التيمة التشكيلية في لوحات الكولاج من التي استخدمتها في لوحات الباستيل.
حطمت الشكل الخارجي في بعض اللوحات وخرجت عن الإطار الرئيسي في حرية, وتعددت عناصر الوجة التشكيلية في اللوحة الواحدة, لتحرك عين المتلقي, وقد تنوع حجم العنصر الواحد فيبدو دقيقا في البعض وكبيرا في البعض الآخر, كما نرى فتحات الأنف تكدثت وتكاثرت بأحجام مختلفة وكذلك الأهداب والعيون والأنف, وفي أتجاهات متنوعة لكي تتفاعل وتحقق الإتزان في اللوحة وتخلق نوع من التوافق التشكيلي. لوحه باستيل لشاديه القشيرى تخرجت القشيري في كلية الفنون التطبيقية قسم طباعة المنسوجات جامعة حلوان, ومنذ تخرجها وهي موهوبة بالنقد الفني فالتحقت بأكاديمية الفنون لتثقل موهبتها بالدراسة, وحصلت على دبلوم الدراسات العليا في النقد الفني, ثم أصبحت أخصائي ترميم "فنون تشكيلية", ورئست قسم المعارض الداخلية في عام 1990, وأصبحت عضوة للجنة التحكيم ببينالي الشونة للطفل, وبينالي الطفل العربي. فهي تألقت في بداية حياتها العملية في مجال النقد, ولفتت أنظار الجميع بعمق أحكامها وحملاتها النقدية, وقد حررت بابا أسبوعيا كاملا في جريدة الأهرام المسائي بعنوان "رؤى تشكيلية", كما كتبت المواد العلمية لبرامج "لوحة وفنان, وأنامل تعزف بالفن", وفي 2001 قررت الخروج من عالم الصمت فأقامت معرضها الأول بقاعة اكسترا بالزمالك تحت عنوان "تداعيات الصمت", وتوالت بعدها اشتراكاتها في المعارض الجماعية كصالون الأعمال الصغيرة, ومعارض الفنانين النقاد, واقامت ايضا العديد من المعارض الخاصة التي أخذت كل منها فكرة وموضوع جديد, فمن بين معارضها, عام 2002 معرض بعنوان "بروفيل أزرق" ضم إتجاهات متنوعة كالتصوير الزيتي, والباستيل, وعرض ميديا "فيديو آرت", فقد اخذت الفنانة خبرة كبيرة سواء في النقد أو الإبداع. يقول الفنان الناقد مكرم حنين المستشار الفني للأهرام: ناقدة موضوعية تلتزم الحياد ولا تدفع بمشاعرها فية, فقد تدفقت هذه المشاعر لتصبح لوحات ومما كد ذلك الجانب التعبيري, وإختيارها لخامة الألوان الطباشيرية "الباستيل" التي ساعدتها على سرعة إنجاز وتصوير الشحنات التعبيرية المتدفقة معبرة عن ما يمور بداخلها. أاستفادت الفنانة من موضوعية الشكل وركزت على فلسفة الفكرة التعبيرية أكثر بكثير من التفاصيل الجمالية, فهذه الخطوط الملتفة حول الشكل وداخل فجواته بإلحاح لتؤكد لنا إصرارها ومعايشتها واندماجها لوحه كولاج لشادية القشيري في استحسان الخطوط المنسوجة المضيئة بالألوان الطباشيرية على الأرضية السوداء مكتفية بما يتركة اللون من زهو وبروز أقرب إلى التجسيم البسيط منه إلى الجرم القوي الصلب, وعل الرغم من هشاشة الفورم فإن الشكل لم يفقد تعبيريته الواضحة. لكن الفنانة انتقلت إلى الولع بتلخيص الشكل العام للوجوه إلى الاختصار والاختزال والاكتفاء بما يشي به التدرج اللوني لأقلام الألوان الزيتية عندما تستخدم القطع مختلفة لأحجام مستفيدة من ملمس الورق الخشن الذي يعطي تأثير الفرشاة الجافة على سطح خشن. وسوف يدرك المتلقي في هذا المعرض ولع آخر للفنانة بهذه الأضواء القوية الساقطة على المساحات الملونة فتحدث فيها استدارة اسطوانية متدرجة الظلام تقوم بتوزيعها بعفوية وتلقائية في طريقها لخلق أسلوب خاص بها ترسو به على شاطيء الفن لتجمع بين نزاهة النقد وموضوعيتة, وذاتية الفنانة وخصوصتها في التعبير الفني.