حلّ الروائى والشاعر الكويتى الكبيرإسماعيل فهد إسماعيل، ضيفاً على اللقاء الفكرى بمعرض الكتاب أمس. بدأ اللقاء بترحيب الأديب والروائي المصري يوسف القعيد بأعلام الثقافة الكويتية الذين كانوا فى مقدمة الحضور وهم د. هيلة المكيمي وكيل وزاره الإعلام لشئون التخطيط الإعلامي والتنمية المعرفية، والروائي طالب الرفاعي والروائية ليلى العثمان والروائي والأديب الكبير الفلسطيني يحيى يخلف. وقال القعيد: لم يكن إسماعيل منكفئ على الداخل الكويتي، بل صال وجال بإبداعه الروائي المحيط العربي، وإذا كان كاتبنا الكبير محمد حسين هيكل هو الأب الروحي للرواية العربية، والكاتب الكبير نجيب محفوظ هو من أصل الرواية العربية، فإسماعيل هو الهرم الثالث إلى جوار هاذين الهرمين.. فلا ذكر للرواية الكويتية والعربية دون أن يكون إسماعيل في مقدمة الصفوف، فقد كتب الشعر والنص المسرحي والقصة القصيرة، إنه استثناء في عالم الرواية، وهذا يبدو واضحًا في المقدمة التي كتبها شاعرنا الكبير صلاح عبدالصبور لأولى روايات إسماعيل، ويبدو أن إسماعيل ولد كبيرًا منذ البداية. بعدها تحدث الروائى الكويتى، قائلاً أنه تعرف على القعيد في سبعينات القرن الماضي عن طريق صديقه الكاتب والروائي الكبير جمال الغيطاني، ومن هنا سارت علاقة صداقة وطيدة جمعته بالقعيد. يواصل: بدايتي كانت مع الشعر منذ سن الثانية عشر من عمرى، وكتبت عديد من الأشعار فى هذه المرحلة، ثم تحولت بعد ذلك لكتابة القصة القصيرة، وأولى قصصي القصيرة نشرتها بالبصرة فى العراق، ونشرت بعد ذلك عدد من قصصىي القصيرة بالكويت بين عامى 1960و1961، ثم توجت ذلك بطباعة مجموعتي القصصية الأولى والتي صدرت من العراق. وفى هذه المرحلة طالما راودنى وأرقنى حلم أن أصبح مخرجًا سينمائيًا، وبسبب عدم وجود سينما وقتها بالعراقوالكويت على غرار ما كان موجوداً فى مصر، فقد تنازلت عن هذا الحلم. وبدأت أبحث عن حلم أخر ووجدت ضالتي المنشودة في أن أقوم بإخراج ما يطوف بمخيلتي على الورق ومن هنا جاءت روايتي الأولى "كانت السماء زرقاء". ثم تعددت روايتى وتوارى حلم الإخراج للوراء، ومنذ الرواية الأولى وصولاً لروايتى الأخيرة، كان لدى اهتمام قوى بالقومية العربية، لدرجة أن الباحثين فى الكويت كانوا يقولون إنى أحلق خارج السرب، فكنت دائمًا أبحث عن الهوية العربية، وروايتى الأخيرة هى نموذج لرحلة البحث عن الهوية، ولا زال البحث عن الهوية جارى. وعن سؤال القعيد عن الإشكالية التى يقع فيها القارئ عندما يقرأ أعمال إسماعيل الروائية والتى تعلقت بحوادث سياسية توارت فى طى النسيان؟ قال إسماعيل: الأجيال الجديدة دائمًا لديها فضول لمعرفة ما الذي حدث في الماضي، بشكل أدبي وفني إلى جانب الشكل التاريخي، فهم في حاجة دائمًا إلى الجانب الإنساني، الذي غالبًا ما يتوه في زخم الأحداث السياسية التي تطغى على كل من بجوارها. وعما يحدث الآن من اختصار بعض الأعمال الروائية على غرار ما حدث مع رواية الحرب والسلام والتي تم صدور طبعة جديدة منها مختصرة في جزء واحد بدلاً من أربعة أجزاء، قال الروائي الكويتي، أنه ضد اختصار أي عمل أدبي لأن أي إنتاج أدبي بعد صدوره، خرج من إطار ملكية صاحبه، ليصبح ملكًا للتاريخ، فالعمل الأدبي يسجل أحداث العصر التي عاصرها. وفي إجابته عن لماذا لم يتم تحويل الأعمال الروائية الهامة له ولأقرانه من المبدعين الكويتيين إلى أعمال سينمائية؟ قال إسماعيل بدأنا تجارب سابقة في هذا المجال، وتجرى الآن تجربة جديدة على يد جيل الشباب، ولكن ينبغى أن نشير إلى أنه لا توجد سينما بالمعنى الروائى خارج مصر، فمصر لها تاريخها السينمائى الطويل منذ عشرينيات القرن الماضى، وبالرغم من وجود عدد من المحاولات المماثلة فى عدد من الدول العربية منها المغرب والجزائر والإمارات، لكنها للأسف نشاطات فردية، فصناعة السينما فى حاجة إلى مؤسسات وجيش من الفنيين وهذا ما يتوافر فى مصر. ومن جانب أخر صناعة السينما فى حاجة إلى مجتمع مدنى ضارب بجذوره فى الحضارة، والمجتمع الخليجي دخل المدنية قريبًا، وتحديدًا بعد اكتشاف النفط، فالأمر يحتاج إلى وقت لتزدهر صناعة السينما في الخليج. وعن قضية ترجمة الأعمال الأدبية العربية، وترجمة أعماله، أشار الأديب الكويتى الكبير إلى ترجمة عدد من أعماله الروائية، فى ألمانيا واليابان والهند وعدد من الدول الأخرى، ولكن تلك الترجمة كانت من أجل عدد من الأبحاث العلمية رسائل الماجستير والدكتوراة، لا للنشر التجاري، قائلاً: إذا لم تتولَ الدولة مسئولية ترجمة أعمالنا الأدبية والثقافية، سيبقى الأدب العربي حبيس المنطقة العربية، وبالتالي علينا أن نتحرك ونسعى بجدية وإرادة واعية، للتواصل مع الآخر. وفى تعقيبه على قضية الترجمة أوضح القعيد، أن مشكلتنا الكبيرة هى انبهارنا بالغرب، فمنذ قدوم الحملة الفرنسية لمصر عام 1798 ونحن نترجم عن الغرب دون أن نطلب من الغرب أن يترجم عنا، وهذه قضية مرتبطة بالدونية الحضارية، فلازلنا نعيش بمنطق أننا تابعين. وعن الصحافة الكويتية وموقفها من الأعمال الأدبية والتي لا تجد لها مساحات على صدر الصحافة الكويتية، قال الروائي الكويتي طالب الرفاعي: الكويت يصدر بها خمسة عشر جريدة يومية منها ثلاثة جرائد متخصصة فى الثقافة والفنون وهم"القبس والجريدة والرأى العام" وهذه الجرائد الثلاث تنشر يوميًا أوجه الأدب المختلفة من شعر وقصة قصيرة ورواية. أما عن فكرة أنها لا تنشر روايات مسلسلة فهذا متوقف على رغبة الروائي نفسه، أما فيما يتعلق بالترجمة إلى اللغات الأجنبية ففي أحد لقاءاتى مع أحد أصحاب دور النشر الأمريكية قال لي أن النشر لدينا هو عملية تجارية بحتة تخضع للسوق ونحن في العالم العربي في حاجة إلى حكومات عربية تتخذ من الثقافة طريقًا للوصول للآخر، فليس الآخر هو من تجاهلنا بل نحن من تجاهلنا أنفسنا، نحن فقط في حاجة إلى من يمنح ثقافتنا الفرصة والرؤية. وعن العلاقة بين الأديب والسلطة قال إسماعيل، أنه ضد أن يكون للمثقف أي انتماء مع السلطة أو حزب معين فالإبداع في حاجة إلى التحرر والإخلاص بعيدًا عن أي انتماء مع الحفاظ على مسافة مناسبة بين المبدع والسلطة أو الأيديولوجية لكي يكون له حرية النقد والنصح . أما فيما يتعلق بالتيارات الدينية الموجودة بالكويت ومهاجمتها للإبداع الفكري قال إسماعيل أنه حتى الآن لم يدخل في صدام مع هذه الجماعات ولكن هذا لا يمنع أنه قد يصطدم معهم في يوم ما، وأثنى على الثورة المصرية وقال أن الثورة المصرية قد حمت مصر والمنطقة العربية من شبح أسود كاد أن يسيطر على المنطقة كلها وهو شبح الإخوان المسلمين، فجماعة الإخوان المسلمين أرادت أن تقتل الهوية المصرية والعربية. وفى إجابته عن السؤال الذى وجهته له الروائية الكويتية ليلى العثمان حول ما إذا كانت ثورات الربيع العربي ستقود المنطقة للأفضل أم لا، قال إسماعيل إنه بالتأكيد يجب أن يكون للأفضل لأنه لا يوجد أسوأ مما عايشناه من طغيان وظلم ودكتاتورية، فهؤلاء الشباب عندما خرجوا ليواجهوا الموت كان ذلك لأنهم شعروا بأن الحياة لا قيمة لها ولذا فعلينا إذا أردنا أن نتقدم للأمام أن نتخلى عن كراسينا طواعية لهؤلاء الشباب وأن نحتضنهم ليقودوا المستقبل.