فى عام 1990، كان شوجي ناكامورا يعمل لدي إحدى الشركات اليابانية المغمورة، أملًا فى الحصول على درجة الدكتوراه مع توفير مستوى معيشى لائق، قبل أن يقرر اقتحام المشكلة التى تؤرق صناعة الإلكترونيات فى العالم منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، وهي: كيف يمكن للعلماء تخليق صمامات ثنائية الأقطاب تبعث ضوءاً أزرق LED. أخيراً، أنتج ناكامورا أول صمام «ثنائي القطب» يبعث الضوء الأبيض، وأخر يشع أشعة الليزر الزرقاء، فاتحاً الطريق واسعاً أمام مجال غير محدود من تصنيع وسائل إضاءة ذات جودة فائقة، وتصنيع أجهزة «دي في دي» عالية الوضوح، هذا بالإضافة إلى استخدامات أخرى لابتكاراته فى إنتاج الشاشات المسطحة ذات الألوان الكاملة، وأقراص كمبيوتر ذات قدرة تخزينية أعلى، ويتوقع الخبراء أن تغير أشعة الليزر الزرقاء وجه تقنية المعلومات فى العالم. والآن بات يعرف عن ناكامورا أنه من أطلق ثورة الضوء الأزرق. أذهلت اختراعات ناكامورا العالم، حيث يرى البعض أن اختراعه الضوء الأزرق يعادل اختراع «توماس إديسون» للمصباح الكهربائي. فاز ناكامورا في سبتمبر 2007 بأكبر جائزة للابتكارات التكنولوجية في العالم، الجائزة التى تعادل جائزة نوبل في العلوم، وتصل قيمتها إلى 680 ألف جنيه إسترليني. ناكامورا تحدث إلى «جين كيو» محرر مجلة «نيوساينتست» حول مغامراته العلمية، ولماذا ينال المبتكرون حظوظاً أفضل في الولاياتالمتحدة بالمقارنة ببلده الأصلي (اليابان). - هل تؤمن بما يمكن أن نطلق عليه «ساعة الحظ» ؟ - نعم، حدث لى ذلك عندما كنت أحاول إنتاج بللورات عالية الجودة من مادة «نتريدات الجاليوم»، إنها مادة من الصعب جدًا تخليقها فى المعمل. لكن ما حدث أنه فى أحد أيام عام 1990، حصلت على بعض من بللورات هذه المادة المعجزة، أدركت لحظتها أنها كانت الأفضل، من نوعها، فى العالم. لا يوجد أى شخص آخر استطاع صناعة مثل هذه البللورات الجميلة. كنت فى غاية السعادة والفرح. فكرت أني استطيع نشر ورقة علمية خاصة بذلك الأمر للحصول على درجة الدكتوراه. لم أكن أعلم وقتها بأن ذلك ربما يؤدي لاكتشاف شعاع الليزر الأزرق. ولكن كان لزاماً على أن اتغلب علي العديد من العقبات الأخرى لكى يحدث ذلك. كانت هذه اللحظة من أكثر اللحظات التى لاتنسى فى حياتي. - لماذا عملت على مادة صعبة المراس من هذا النوع، ومتى تولد إليك التفكير بأنها واعدة لصناعة مشعات الضوء الأزرق؟ - فكرت فى ذلك لتجنب المنافسة. كنت أعمل لدى شركة تدعى نيشيا Nichia، تتخذ من توكوشيما Tokushima فى جزيرة شكوكو Shikoku فى اليابان مقراً لها، حيث كانت آنذاك شركة صغيرة جداً، لديها فقط 3 أفراد فى قسم «البحث والتطوير». لمدة أكثر من عشر سنوات، عملت بجد، واستطعت إدارة وتطوير ثلاث منتجات جديدة ضمن فئة مشعات الضوء ثنائية القطب. لكن مبيعات الشركة كانت متعسرة، فقد كنا نطرح منتجاتنا في الأسواق، والشركات الكبرى هى الأخرى تبيع ذات المنتجات. لذلك فكرت أنه ربما يكون لدينا فرصة أفضل للنجاح لو أني عملت على هذه المادة، حيث يوجد عدد أخر قليل من الباحثين يقوم بذات العمل، وعليه تقل المنافسة وتزيد فرص التسويق. مادة شديدة المراوغة - هل كان ابتكار هذه المواد المراوغة المشعة للضوء الأزرق هو هدفك منذ البداية؟ - حقيقة الأمر، كنت أفكر فى رسالة الدكتوراه الخاصة بي فقط. لقد قضيت عامًا فى جامعة فلوريدا، لكن كحامل للماجستير. فبالرغم من أني كان لدى خبرة بحثية كبيرة، عوملت هناك كتقني، لم يكن هناك أحد يعرف طبيعة عملي، فلم أكن حتى هذه اللحظة نشرت أية ورقة بحثية. أدركت مدى حاجتي إلى نشر أبحاثي والحصول على الدكتوراه. فى هذا الوقت، معظم الباحثين كانوا يعملون على مادة «سلينيد الزنك»، وكان هناك عدة أوراق بحثية عملت عليها الفعل. على العكس من ذلك، كان الباحثون يعرفون قليلاً جداً عن مادة نتريدات الجاليوم، لذا اعتقدت أنه سيكون من الأيسر نشر أبحاث حولها فى حال نحجت فى العمل عليها. - ليس من المعتاد، نشر أبحاث تابعة للشركات. كيف تصرفت حيال ذلك؟ - شركة نيشيا لم تكن تحبذ فكرة النشر على الإطلاق، ويوجد لديهم قواعد صارمة ضد نشر الأبحاث العلمية الخاصة بمنتجاتهم. لقد تجاهلت كل هذه القواعد، كما قمت بإنهاء بعض أبحاثي فى سرية تامة، كنت أقوم بذلك فى المساء مثلاً، وفى الإجازات، تجنباً للمشاكل. مقامرة العلم مطلوبة - ومن وجهة نظرك، ما هى أسباب نجاحك فى العمل على هذه المادة، فى وقت فشل فيه كثيرون؟ - اعتقد أن نجاجي يرتبط بأننى تحديت الأحكام التقليدية. فى حين، أن معظم الباحثين والشركات الكبيرة كانوا يعملون على سلينيد الزنك، حيث يعتقدون أنها مادة واعدة فى هذا الإطار. لم يكن هناك أحد يعتقد بأن هذه المادة يمكن العمل عليها للوصول لذات الهدف. لذلك كان شيئاً من الجنون حقيقة أن ألتقط هذه المادة دون غيرها للعمل عليها. ومن حسن حظي أنها أعطت نتائج غير متوقعة. فمن الأشياء عظيمة الأهمية فى العلم والتكنولوجيا أن تجازف، أو أن تقامر على السير فى طريق ما. - لقد جاء ابتكارك بمثابة ضربة البداية لما يطلق عليه «الثورة الليزرية الزرقاء»، ما أدى لأن تصبح نيشيا شركة غنية رأسمالها ملايين الدولارات. أي حصة من الفوائد عادت عليك بعد تحقيق ذلك؟ - فى البداية، حصلت على قرابة 190 دولاراً. كان ذلك مبلغاً طبيعياً فى ذلك الوقت. فطبقاً لقانون براءات الاختراع الياباني، الموظفون وليس الشركات من يمتلكون حقوق الملكية الفكرية الخاصة بمخترعاتهم. ومع ذلك، الشركات عادة ما كانت تدير الأمور فى الاتجاه الذى يساعدهم على الاحتفاظ بحقوق الملكية الفكرية، ودفع تعويضات للمخترعين تقدر بحوالي 200 دولار أمريكي. بشكل أساسي، المجتمع الياباني لا يقدر المساهمات الفردية ولكن يشدد على مفهوم عدم التشكيك فى ولاء وتضحية الأفراد بمصالحهم الشخصية من أجل شركاتهم. - فى دعوة قضائية غير مسبوقة ضد نيشيا، ربحت تعويضاً يقدر بما يزيد عن 7 مليون دولار. هل غير ذلك شيئاً بالنسبة للشركات اليابانية؟ - هذا الأمر تغير بشكل كامل الآن. بعد الدعوى القضائية الخاصة بي، مازالت كل الشركات فى اليابان تتلقى دعوات قضائية تطالب بتعويضات للمبتكرين والمخترعين. ولقد ارتفع المقابل المادي لهذه التعويضات فى بعض الأحيان إلى ما يزيد عن 10 ملايين دولار. كما أن بعضاً من الشركات اليابانية لم يعد يضع حداً للسقف المادي لمكافئة المخترعين من خلال تخصيص نسب ثابتة من عوائد الإنتاج المرتبطة بالابتكارات. - كل شئ مختلف - انتقلت الآن إلى جامعة كاليفورنيا، فى «سانتا باربارا». كيف تجد البحث العلمي في الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ - كل شئ مختلف فى أمريكا. تولي أمريكا اهتماماً كبيراً بالأفراد، فى حين أنه، فى اليابان، تنال مجموعات العمل بشكل حصري الاهتمام والتقدير الأعلى. وربما يقف هذا السبب وراء قوة البحث العلمي فى أمريكا، وهذا بديهي، حيث أن الاختراعات تأتي إجمالاً من قبل الأفراد وليس من قبل مجموعات العمل. أنا شخصياً أعتقد بأن الإبداع الفردي كان وراء تحقيق الازدهار والتقدم فى النظام الأمريكي، بينما النظام فى اليابان كان يروقه الإنتاج الجماهيري على مستوى القاعدة البشرية. - هل تود العمل فى شركة كبيرة فى حال وجدت العرض المناسب؟ - بالتأكيد لا. توجد قواعد كثيرة فى الشركات الصناعية الكبرى. أنا استمتع بالحرية المتاحة لي كبروفيسور يعمل فى السلك الجامعي. أستطيع فعل أي شئ أرغب فى عمله. أعتقد لو أن البشر من الذكاء بما فيه الكفاية لشرعوا فى بناء شركاتهم الخاصة انطلاقاً من الجامعة، هذه هي الطريقة الأفضل من وجهة نظري لتشييد شركة ناجحة. - وهل هذا ما تخطط للقيام به؟ - ليس فى هذه اللحظة. أنا مشغول جداً بالتدريس فى الجامعة الآن. - ماذا ستفعل بالمليون دولار، حصيلة " جائزة تكنولوجيا الألفية "؟ - أخطط لمنح جزءاً منها لمنظمات مثل " لايت أب" Light Up، المؤسسة الدوليةThe World Foundation ، ومهندسون بلاحدود Engineers Without Borders ، حيث إنهم يساعدون على توظيف تقنيات الضوء الأزرق فى استخدام الطاقة الشمسية فى أجزاء من العالم، لا تتوفر بها الكهرباء. نقلة نوعية - لماذا تسعى لاستخدام الصمامات المشعة للضوء بدلاً من مصابيح الضوء التقليدية؟ - أنظمة الضوء التقليدية غير فعالة ومحدودة الكفاءة بدرجة كبيرة جداً: فقط 10% من الطاقة المستهلكة يتحول إلى ضوء، والباقي يتم فقده فى شكل حرارة. تعمل هذه الأنظمة أيضاً عند جهد من الصعب التزود به فى حال استخدام أنظمة الطاقة الشمسية. أما الضوء المنبعث من الصمامات الثنائية والذى يعرف بضوء الحالة الصلبة فهو أعلى كفاءة بكثير.ويستطيع أن يحول 50% من الطاقة المستهلكة إلى ضوء. عام 2001، ثمن التقرير الصادر عن وزارة الطاقة الأمريكية هذه التقنية، حيث ورد به أنه لو استخدمت بشكل واسع لاستطاعت أن تخفف من الحاجة إلى بناء 133 محطة كهرباء جديدة بحلول العام 2025. - تعيش الآن ومنذ 6 سنوات في الولاياتالمتحدة، ألا تخطط للعودة إلى اليابان يوماً ما؟ - بيتى هنا فى أمريكا، ولا أهتم حالياً بفكرة العودة إلى اليابان. أنا استمتع بالحرية والمساواة الموجودتان هنا. فى اليابان، يسود نظام طبقي صارم، ويوجد العديد من أشكال التمييز والتفرقة كالتمييز بين الجنسين أو حتى بين الفئات العمرية المختلفة. - وماذا عن مشروعك القادم؟ - جامعة كاليفورنيا ترفع حالياً شعاراً يحمل عنوان فياتلوكس " Fiatlux " وهو شعار يخدم الترويج لأبحاثي، فأنا أعمل الآن على استخدام نظام الإضاءة بالصمامات الثنائية للحصول على كفاءة بنسبة 100%. هذا المشروع سيحل مشكلات الطاقة والبيئة فى الدول النامية ويجعل توفير الكهرباء والطاقة من السهولة بدرجة أشبه بإشراقة الشمس فى هذه البلدان كل صباح. هذا حلمي الذى أعيش من أجله. نشر الحوار الذى أجراه " جين كيو " فى مجلة "نيوساينتست"