سميت سورة الزمر بهذا الاسم لحديثها عن زمر المتقين, السعداء, المكرمين من أهل الجنة, وكذلك زمر العصاة, الأشقياء المهانين من أهل النار, وحال كل منهم في يوم الحساب. و سورة الزمر مكية شأنها شأن كل السور المكية التي يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة كما ذكرت الآية في قولة تعالى "ألا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار، فهي تركز علي عقيدة التوحيد الخالص لله, بغير شريك ولا شبيه ولا منازع. واستهلت السورة بالحديث عن القرآن الكريم الذي أنزله ربنا ( تبارك وتعالي) بالحق علي خاتم الأنبياء والمرسلين (صلي الله عليه وسلم) هداية للناس كافة, وإنذارا من رب العالمين, وجعله معجزة خالدة إلي يوم الدين, وملأه بالأنوار الإلهية, والإشراقات النورانية, التي منها الأمر إلي رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) وإلي الناس كافة بالتبعية لهذا النبي الخاتم والرسول الخاتم بإخلاص الدين لله, وتنزيهه جل في علاه عن الشبيه والشريك والولد. وذكرت السورة بعض الأدلة المادية الملموسة التي تشهد للخالق سبحانه وتعالي بطلاقة القدرة, وببديع الصنعة, وبإحكام الخلق, وبالتالي تشهد له (سبحانه) بالإلوهية, والربوبية, والوحدانية, والتنزيه عن كل وصف لا يليق بجلاله,كما في قوله تعالى " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ"، ومن هذه الأدلة المادية: خلق السماوات والأرض بالحق, وخلق كل شيء حسب ما يشاء ( سبحانه), تكوير الأرض وتبادل الليل والنهار عليها, وتسخير كل من الشمس والقمر( وتسخير كل أجرام السماء), خلق البشر كلهم من نفس واحدة, وخلق زوجها منها ( وكذلك الزوجية في كل خلق), إنزال ثمانية أزواج من الأنعام, مراحل الجنين التي يمر بها الإنسان وخلقه في ظلمات ثلاث, إنزال الماء من السماء وخزن بعضه في صخور الأرض, إخراج الزرع ودورة حياته, حتمية الموت علي كل مخلوق, تكافؤ النوم مع الوفاة, وقبض الأرض, وطي السماوات يوم القيامة. وتحدثت السورة الكريمة كذلك عن الإيمان الذي يرتضيه ربنا( تبارك وتعالي) من عباده, والكفر الذي لا يرضاه, وعن علم الله( تعالي) بكل ما في الصدور, وقدرته (جل جلاله) علي محاسبة كل مخلوق بعمله, وتحدثت السورة عن طبائع النفس البشرية في السراء والضراء, وعن الفروق بين كل من الإيمان والكفر, والكافر والمؤمن في مواقفهما في الدنيا والآخرة, وبين الإغراق في المعاصي والإخلاص في العبادة, وبين كل من التوحيد والشرك, وبين الذين يعلمون والذين لا يعلمون, وعن العديد من مشاهد القيامة وأهوالها. كما تحدثت السورة الكريمة عن نفختي الصعق والبعث, وما يعقبهما من أحداث مروعة, وعن يوم الحشر حين يساق المتقون إلي الجنة زمرا, ويساق المجرمون إلي جهنم زمرا كذلك, ولكن شتان بين سوق التكريم, وسوق الإهانة والإذلال والتجريم, ويتم ذلك كله في حضرة الأنبياء والشهداء, والملائكة حافين من حول العرش, والوجود كله خاضع لربه, متجه إليه بالحمد والثناء, راج رحمته, مشفق من عذابه, راض بحكمه, حامد لقضائه.