بعد ايام قليلة من انفجار الموقف في مصر اصبحت تسود رؤية متشائمة في الصحافة العالمية لتطورات الوضع وحرب الاستنزاف المسلحة الدائرة في طرقات وشوارع المدن المصرية الكبري الحدث الذي احتل قائمة الاهتمامات والعناوين الرئيسية للصحافة العالمية واجهزة الاعلام الدولية المختلفة التي تفاوتت توقعاتها وتحليلاتها للموقف في البلد التي انزلقت في احداث عنف غير مسبوقة وتوترات لم تحدث في مصر حتي اثناء حروبها الخارجية الكبري طيلة سنين الصراع العربي الاسرائيلي حيث لم تشهد الجبهة الداخلية تصدعا مماثلا لما يحدث اليوم في مصر منذ احداث عام 1956 والعدوان الثلاثي الشهير الذي واجهت مصر فيه تحالف دولي من فرنسا وبريطانيا بمشاركة ومباركة دول اخري اضافة الي مرحلة حرب وهزيمة السادس من يونيو عام 1967 وحرب الاستنزاف التي تلت تلك المرحلة او اثناء حرب السادس من اكتوبر الشهيرة التي حققت خلالها مصر انتصار في حرب خاطفة من خلال عملية عبور قناة السويس والتي استخدمت فيها مصر تقنيات هندسية عالية ومدهشة . لقد عبرت مصر كل تلك الحروب والاحداث الجسيمة بسلام تام في ظل تماسك جبهتها الداخلية ثم شهدت مصر بعد ذلك انتفاضة الخبز الشعبية الشهيرة عام 1977 ضد الرئيس الراحل محمد انور السادات الذي اطلق عليها بدورة انتفاضة الحرامية وشهدت مصر بعد ذلك تمرد قوات الامن المركزي الشهير الذي حدث في عام 1986 بسبب تسريب شائعة عن مد خدمة المجندين المتطوعين في هذه القوات الخاصة التي يتم استخدامها في فض التظاهرات ومواجهة احداث العنف السياسي والاجتماعي وانشطة الجرائم المنظمة والمسلحة ومعروف ان الرئيس الراحل محمد انور السادات الذي اطلق سراح الاخوان المسلمين من سجون عبد الناصر واعادهم للحياة السياسية في عملية ممرحلة في اطار عملية توازن في ظل استمرار معارضة خصومة اليساريين من شيوعيين وناصرين قد دخل معهم لاحقا في مواجهات مختلفة اعاد فيها معظم قيادات الجماعة الاخوانية الي السجون قبل ايام قليلة من عملية اغتيالة الدرامية بواسطة جنود مندسين داخل طابور العرض في يوم احتفاله بذكري نصر اكتوبر الذي حققه علي الدولة العبرية التي تصالح معها في عمل تسبب في خلافات عربية مصرية واخري داخلية . وقد لقي السادات مصرعه علي يد المجندين من اعضاء الجماعة الاسلامية المتشددة الذين قتلوه امام جيشه وامام انظار العالم كله وكان الرئيس السادات قد وقف داخل البرلمان قبلها بايام قليلة في اعقاب اعتقالهم منددا بهم وبسلوكهم وعدم الوفاء الذي اظهروه معه علي حد تعبيره وهو يصرخ بصوت عالي انا طلعت غلطان متحسرا علي اطلاق سراحهم من سجون عبد الناصر بداية السبعينات , اما مايجري اليوم من احدث وتطورات في الدولة المصرية فهو امر اخر وحدث مختلف تماما عن الاحداث السابقة وقد غرقت مصر في فوضي دموية شاملة علي خلفية عمل مدبر ومنظم قامت بتنفيذه جماعة الاخوان المسلمين المصرية علي خلفية فض اعتصام ميدان رابعة العدوية المعروف في العاصمة المصرية المكان الذي اكتسب شهرة عالمية كبري خلال ايام معدودة بعد ان اتخذت منه الجماعة الاخوانية التي خسرت رئاسة الجمهورية المصرية بعد عملية الاطاحة بالرئيس الاخواني التي قادها الجيش في اعقاب تحركات شعبية وحولته الي منصة اعلامية وتعبوية تحيط بها بعض مظاهر العسكرة وعمليات استعراض القوة التي كانت تقوم بها عناصر الجماعة الاخوانية بين الحين والاخر, وفي تحليل اخباري لمجريات الامور توقعت الكاتبة الامريكية المعروفة إليزابيثتشاك في شبكة الNBCالامريكية الاخبارية وتحت عنوان Egypt may avoid civil war — but bloodyconflict could continue for years قالت فيه ان مصر قد تنجو من خطر الدخول في حرب اهلية ولكن العنف الدموي فيها قد يستمر لسنين طويلة . وهذا يعني ان الاقتصاد المصري سيواجه ازمة خطيرة للغاية بخسارته التدريجية لسوق السياحة العالمية التي تعتبر احد اهم دعامات الاقتصاد المصري الذي شهدت ازمات كبيرة في السنين الاخيرة بسبب حرب العراق التي عاد بعدها ملايين المصريين الي بلادهم وتوقفت تحويلاتهم المالية الضخمة اضافة الي شبه الانهيار في الدولة الليبية المجاورة لمصر وتكرر ماحدث بسبب حرب العراق مع ليبيا مما عجل باسقاط نظام مبارك العاجز والمصاب بالشيخوخة المؤسسية بسبب فشله في ابتكار موارد بديلة لتسكين الازمة الاقتصادية الخانقة والتي ازدادت سوء بعد سقوطه بعد فشل الحكومة الاخوانية المنتخبة في تحقيق اي مكاسب للمواطن المصري العادي علي صعيد لقمة العيش واكتفت بممارسة نوع من الترف الفكري والعقائدي واطلاق الوعود الغيبية بخلق جنة ارضية مستقبلية في مصر التي لم يتقبل عقل المواطن العادي فيها هذا المنطق . فخرج مجددا في الثلاثين من يونيو المنصرم في حشود مليونية بطريقة مهدت الطريق امام المؤسسة لعسكرية لتمضي قدما في عملية الاطاحة برئيس الجمهورية الاخوانية المنتخب مما ادي بدوره الي تفجير هذه الازمة الخطيرة وتداعياتها الامنية والاقتصادية الاكثر خطورة ويصعب جدا التكهن بما سيحدث في مصر الايام القادمة في ظل الموقف البالغ الخطورة والمفتوح امام كل الاحتمالات التي ستلقي بظلالها سلبا وايجابا ماوراء الحدود المصرية وتترك تاثيرها المباشر خاصة في الجوار الفلسطيني والليبي والسوداني وربما الي ابعد من ذلك ولسان حال المشفقين علي هذا البلد الشقيق يرددون, اللهم لانسالك رد القضاء ولكن اللطف فيه.