- مقال له تسبب فى رفع قضية على وزير الثقافة - أول قصة له فتحت التحقيق فى مقتل ظابط بالجيش المصرى - مؤسس القصة القصيرة و مجدد المسرح الذى عرف بتشيكوف العرب - توقف عن كتابة الأدب الذى أحب و تفرغ للمقال احساسا بقضايا البلد سيد القصة القصيرة و فارسها .. سيفه القلم و جواده الكلمات التى روضها لتكون ترجمان لأوجاع الإنسان و معاناته .. صاحب مقولة " الدنيا سيرك كبير " ، و التى غزت أعماله المسرح و السينما و استطاعت أن تحصد جماهيرية كبيرة فمن لا يعرف جذر البطاطا فى " الحرام " و فيلم " حادثة شرف " و " العيب " و مسرحية " المهزلة " . عن يوسف إدريس نتحدث أمير القصة القصيرة و " تشيكوف العرب "الذى ولع بالأدب فترك مهنته كطبيب ليتفرغ للكتابة ، كاتب استطاع أن يتوغل بعمق فى المجتمع المصرى ليفجر الألغام الاجتماعية المحرمة ، مشرحا النفس البشرية بنقاط قوتها و ضعفها ، كان فى دفاع دائم عن المهمشين ، رافضا كل ما يقيد الإنسان و عرف عنه مقولته الشهيرة " الحرية فى الوطن العربى كله لا تكفى كاتبا واحدا ". ولد " يوسف إدريس علي " في 19 من مايو عام 1927 في قرية البيروم محافظة الشرقية ، حصل علي بكالوريوس الطب والجراحة عام 1951 وعمل في المستشفيات الحكومية. وفي هذه الفترة كتب أول قصة له وهي "عبدالقادر طه" و فى عام 1952 ، واصل فى مهنته كطبيب مع استمراره فى الكتابة ، وكانت انطلاقته الأدبية بنفس العام عندما تم تعيينه محررا فى جريدة المصرى " . كان إدريس مناضلا على جميع الصواعد فامتهن الطب و شغف بالأدب و بسبب اشتراكه فى الحركات الوطنية سجن و اعتقل أربع مرات قبل ثورة 52 . ونشرت المجموعة القصصية الأولي ليوسف إدريس "أرخص الليالي" عام 1954 فسجلت اسمه كأحد كتاب القصة الرئيسيين في مصر . ولكنه لم يقصر نفسه علي القصة القصيرة وحدها فكتب للمسرح و ألف عدة روايات كانت أولها رواية قصيرة تسمى " قصة حب " . ويعد يوسف إدريس عميد القصة القصيرة الحديثة في الوطن العربي ، وأنشأ مدرسة جديدة تستوحي المسرح من الحياة الحديثة والتراث والأصالة ، ترجمت أعماله إلي 24 لغة عالمية منها 65 قصة ترجمت إلي اللغة الروسية وفي السبعينيات ركز يوسف إدريس اهتمامه علي الصحافة بصورة كبيرة معللا ذلك بأنه سيكون جهدا ضائعا أن يكتب قصصا قصيرة طالما أن المصريين مازالوا يعانون من الأنيميا الثقافية وسوء التغذية الروحية . كما أنه توقف عن التأليف لفترة و اكتفى بكتابة المقال ، و عندما طالبوه بالكف عن إضاعة مواهبه و العودة للتأليف حيث قال فى كتابه عزف منفرد : الكاتب فى عصرنا الحديث هو المنبه لقومه .. هو الذى إذا نام الناس صحا .. و إذا صحوا نام ، متابعا إذا كان عقل أمتى فى خطر فلتذهب الأشكال الفنية القصصية و الروائية و المسرحية للجحيم .. الكتابة ليست للهزل .. فالكتابة عمل خطير هو عقل ووجدان وروح تنسكب على ورق . و فى وصفه للشخصية العربية قال : الشخصية العربية تتصف بما يسموه فى علم النفس الاكتئابية المرحة ، تنتقل باستمرار بين الاكتئاب و المرح ، فنحن لا نحتمل الحزن طويلا و لا الفرح طويلا ، فنكون فى حالة حزن إذا مرحنا .. و مرح إذا حزنا . و أن من أهم عيوب العربية هو التعقل ، و أنها نادرا ما تصاب بالجنون .. نكتئب لكن لا نجن ، و أن هذا العيب يعد فى حد ذاته ميزة .. أننا شعب عال جدا لأنه متوازن ، و هذا السبب الذى جعلنا نعيش لآلاف السنين و تحت أسوأ الظروف .. دون أن نفقد شخصيتنا دون أن ننتحر . و عندما سئل فى أحد الحوارات عن زعامته للقصة القصيرة رد قائلا : " فلنستبعد حكاية " الزعامة " هذة و يكفينا ما يغص به عالمنا العربى من زعامات " . مطلوب للتحقيق كتب مقال بعنوان " الوزير " بجريدة الأهرام أدى لرفع دعوي قضائية ضد وزير الثقافة فى ذلك الوقت ، و أول قصة له " عبد القادر طه " أدت لفتح النيابة التحقيق في قضية مقتل الضابط بالجيش المصري، عبد القادر طه، ففي أول أكتوبر عام 1952، صدر العدد الثاني من مجلة التحرير، ناشرا ضمن ما نشر قصة «5 ساعات» للطبيب والكاتب الشاب يوسف إدريس، التي توثق للساعات الخمس التي قضاها عبد القادر طه ينازع الموت، بينما يحاول إدريس إسعافه وإنقاذه. جاءت التفاصيل والسرد القصصي في «5 ساعات» ليوضح أنها ليست قصة قصيرة فحسب، بل هي أقرب لشهادة موثقة حول ما تفوه به «طه» على فراش الموت، وحول الاتهامات التي وجهها للملك فاروق ولآخرين بمحاولة قتله.. بالأسماء. وفور نشر القصة، استدعت النيابة العامة الطبيب يوسف إدريس وحققت معه، ودققت ووثقت ما سمعه بالضبط من عبد القادر طه الذي أردته 4 رصاصات غادرة، وأزهقت روحه في 5 ساعات كاملة، على أحد أسرة مستشفى قصر العيني. ثم انتهت تحقيقات النيابة، وفي 10 أبريل 1954 قضي بالحكم على اثنين من المتهمين باغتيال عبد القادر طه بالأشغال الشاقة المؤبدة. مقولات إدريسية و كأنه يعيش معنا اللحظة الحالية حين قال : "أتعرف أنك حين تؤذي غيرك , تؤذي نفسك دون أن تدري ؟ " . و عن انعدام الاحساس بالتغيير يقول فى مسرحيته المهزلة الأرضية :الطبيب: تقدر تقول لى النهارده إيه؟ ، المجنون: النهاردة السبت يا دكتور ، الطبيب: وبكره؟ ، المجنون: بكره السبت برضه يا دكتور ، الطبيب: يعنى النهارده السبت وبكره السبت؟! أمّال الأحد يجي امتى؟ ، المجنون: الأحد يجي لما نحس إن النهارده اختلف عن إمبارح، لما نحس إن الدنيا اتقدمت بينا خطوة، لما عدالة النهارده تبقى أكتر من عدالة امبارح، لما نحس إن ظلم النهارده أقل بكتير من ظلم إمبارح، لما نحس إننا لاقيين مكان فى أتوبيس، لما نحاسب المسؤول وهو لسه مسؤول، لما نحس إننا اتقدمنا خطوة أو اترقينا سنتي.. يجي الأحد يا دكتور. و يقول إدريس على لسان أحد أبطاله : " ما أكفرني حين تصورت أني وحدي أقهر الشيطان,وحدك أنت لا شئ ...وحدك أنت أضعف من دابه ..وبالناس وبالله وبما فيك منه ...انت الأقوى " . و يقول " ما فائدة البنادق و الرصاص ؟ ألكي تخضع هؤلاء الناس بقتل بعضهم ؟ و ما فائدة القتل في قوم يحبون قتلاهم و موتاهم ؟ في قوم يخلقون من الميت الواحد مئات الأحياء و يخلقون لكل حي بعد هذا الاف الأولاد .؟" "كلما حاولنا إفهامهم أننا أنقذناهم من ظلم الأتراك نظروا إلينا طويلا وكادت نظراتهم تقول: جئتم لتنقذونا من المماليك, وجاء المماليك لإنقاذنا من الأتراك, وجاء الأتراك لإنقاذنا من التتر, وجاء التتر لإنقاذنا من الخليفة وجاء الخليفة لإنقاذنا من البطالسة, وجاء البطالسة لإنقاذنا من الإغريق.. لماذا تخصوننا بشهامتكم أيها السادة؟!" " ماذا يفعل الارهاب أكثر من أن ينجح فى جعل كل منا يتولى ارهاب نفسه بنفسه, فيقوم هو باسكاتها و اخضاعها للأمر الواقع الرهيب؟ " " وغداً ستكون جولتنا ، وهذا ليس كلام إنشاء و أدب . إنه الحقيقة التى يعلمنا التاريخ إياها فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة , وهذا أيضا ليس تلاعباً يالألفاظ إنه حكمة الجنس البشرى صاغها فى قانون . ولن يهرب أعداؤنا أبداً من قوانين التاريخ . فقوانين التاريخ لاترحم ." " ولا بد أن في السلطة من السحر ما لا تستطيع النفس البشرية مقاومته، فما جرّبها أحد مرّة إلّا ووقع صريعاً واستعدّ لمحاربة الدنيا كلّها واستعمال أوعر الأساليب وأحطّها لكي يستمر ينعم بها ويتزوّقها " . و رغم أنه رحل عنا منذ 22 عاما لكن كلامته مازالت تضرب بعمق فى الواقع المصرى الذى نعايشه الآن .