عندما كنا نُضرب عن الطعام، في نقابة الصحفيين، كان زملاؤنا "الشيوعيون" وهم مدربون جيدا على مثل هذا النوع من النضال النقابي كانوا ينصحوننا، بأن لا نغالي في "المطالب" وأن يكون سقفها "معقولا" حتى يستجاب لها.. وإلا سنترك لنموت، حال تمسكنا بمطالب "تعجيزية". على سبيل المثال، ليس من المعقول، أن أدخل في إضراب عن الطعام، حتى تلغي الدولة اتفاقية "كامب ديفيد".. لأني والحال كذلك سأموت، وستبقى "كامب ديفيد". هذه من أبجديات النضال النقابي والسياسي أيضا، ومن لا يدركها سيهدر أفضل ما لدية من أدوات ضغط، وسيخرج بهزيمة نقابية أو سياسية ثقيلة، مهما كانت عدالة قضيته التي يناضل من أجلها.أنا أدرك بشكل جيد، إحساس مؤيدي د. مرسي ب"القهر"، وأعي تماما، كم هو مؤلم، أن يستيقظ قطاع ليس بالقليل من الإسلاميين ذات صباح، ليجدوا حلمهم السياسي، وقد بات أثرا بعد عين.. ولكن.. ما العمل؟!. السؤال الأخير، يفرضه الواقع الجديد على الأرض، لاسيما وأن المواجهة الآن، باتت بين "الإخوان" و"الجيش".. وهي مواجهة غير متكافئة، والأخير طوى صفحة د.مرسي إلى الأبد، ولن يعيده ولو لساعة واحدة ليقدم استقالته، كما يقترح الطيبون من قيادات الجماعة، لأن ذلك يعني كما قلت في مقال سابق نصب أعواد المشانق للجنرالات الذين عزلوا الرئيس السابق، يوم 7 يوليو الجاري. المدهش أن قادة الجماعة، تدرك تماما، أن عودة مرسي، تعني فتح أبواب السجن الحربي، للنخبة العسكرية التي انحازت لانتفاضة 30 يونيو.. ولذا فإن الإخوان ما انفكوا يقايضون "حرية السيسي" ب"حرية مرسي" !إنها قد تُفسر ب"السذاجة" السياسة، ولكنها في تقديري، قلة خبرة في وضع أجندة للتفاوض وفق "الشروط الموضوعية" على الأرض، وتقديم "الممكن" على "المستحيل" وذلك لتشجيع الطرف المنتصر، على مد يده للقوى المهزومة والاستماع إلى مطالبها. الحشود الإخوانية في الميادين "جيدة"، ولكنها حتى هذه اللحظة، غير "مفيدة"، لأسباب كثيرة، من بينها غياب الغطاء الإعلامي، إذ لم يشعر بها الرأي العام بما يتناسب وأهميتها، إلا قطاع قليل ممن يشاهدون قنوات عربية هي الأقل مشاهدة عن الفضائيات الخاصة المصرية.. وذلك لتعمد القنوات المحلية، مقاطعة تغطيتها، حتى أن المليونية الأخيرة يوم الجمعة الفائت 12 يوليو، لم تكتب عنها صحيفة مصرية واحدة، رغم أنها كانت المليونية الأكبر للإسلاميين منذ عزل الرئيس السابق.. فيما بات من الثوابت الجديدة، أن الثورات لا تنتصر على الأرض ولكن بالقدرة على حبك "الأكاذيب" في الميديا وعلى الفضائيات. غير أن السبب الأهم، ربما يتعلق بغياب "الغطاء السياسي" الناضج، والذي يعي استحالة العودة إلى ما قبل 7 يوليو، وأن الوضع الجديد، يحتاج إلى اجتهاد سياسي مختلف، وقادر على استثمار الحشود وتحويلها إلى مكاسب وحصص في التركيبة السياسية التي يجري تشكيلها الآن بعد خروج الإخوان من السلطة. الجماعة تحتاج في هذه التوقيت الدقيق والحساس إلى أن "تتواضع" وتنزل بمطالبها عند "الواقعية السياسية".. لأنه بمضي الوقت، ستنفض الحشود، فهي لن تستمر إلى الأبد، وسيبقى د. مرسي قيد الإقامة الجبرية، وسيلقى القبض على القادة الميدانيين للجماعة، لتمضية بقية العمر داخل الزنازين المظلمة.