على خلفية الأزمة التي تشهدها مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي، وفي إطار ردود الفعل الدولية والإقليمية المتباينة، بدا الموقف التركي رافضا وبشدة للتداعيات التي نتجت عن أحداث 30 يونيو، وبالأخص إنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين بعد عزل الرئيس الذي ينتمي لهم. لكن هذا الموقف اتخذ طورا خطيرا في الأيام الأخيرة بعد ظهور دعوات تركية تطالب مجلس الأمن الدولي وغيره من الجهات الإقليمية بالتدخل فيما تشهده مصر من تطورات داخلية بحتة، كما تنتهج أسلوباً تصعيدياً مع عدد من الدول لمحاولة حشدها في اتجاه مشابه تجاه مصر، وهو الأمر الذي وصفته الخارجية المصرية ب"تدخل أنقرة غير المقبول في الشئون الداخلية لمصر". وظهر ذلك بوضوح عندما استدعت الخارجية المصرية سفير تركيا في القاهرة، وأبلغته أسفها العميق لموقف بلاده من التطورات المتسارعة في الساحة المصرية، وأشار السفير حاتم سيف النصر مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية إلى أن موقف تركيا يعكس "فهما مغلوطا" لما مرت به الدولة، وكذلك "تدخلا في الشأن الداخلي المصري"، معربا عن رغبته في إعادة تركيا لنظرتها وتقييم موقفها من جديد، مؤكداً أن ذلك الموقف لا يصب في مصلحة الشعبين والعلاقات التاريخية بين البلدين على المدى الطويل. وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد أكد مؤخراً عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، على أن ما حدث في مصر بعد أحداث 30 يونيو هو انقلاب عسكري، واصفاً عزل الرئيس مرسي من الحكم، بأنه لن يأتي بالخير لمصر، وتابع أردوغان قوله :"كل ما نريده هو ألا يعاني أخواننا المصريون من الانقلابات التي لا تأتي بالخير للبلاد؛ لأننا عانينا منها كثيراً في تركيا". لذا ظهرت العديد من التساؤلات حول سبب اتخاذ تركيا لهذا الموقف، وما يمكن أن يسفر عنه خلال الأيام القادمة، وهل سيؤدي إلى تدهور العلاقات بين البلدين رغم تعاونهما القوي والفعال طيلة السنوات الماضية، لا سيما بعد أحداث ثورة ال25 من يناير؟. ضربة لأنقرة رأى العديد من المحللين أن عملية عزل مرسي وجهت "ضربة" مباشرة للسياسة الخارجية لأنقرة، في ظل سعي تركيا لتصوير نفسها نموذجاً يحتذى به في العالم الإسلامي، ويزيد من خطورة الأمر، تلك الاحتجاجات التي واجهها حزب العدالة والتنمية التركي ذو الجذور الإسلامية، حيث شكلت أوسع احتجاجات واجهها الحزب منذ حكمه المستمر لعشر سنوات. وبعد أن حاولت تركيا نسج علاقات وثيقة لها مع نظام الإخوان المسلمين في مصر، جاءت تداعيات 30 يونيو اهتزازا للنموذج التركي أمام المصريين بل وفي منطقة الشرق الأوسط ككل التي عملت تركيا على تصوير نفسها مثال للمحرك الإقليمي والديمقراطية النموذجية. توجهات خارجية وتعددت أنماط المواقف التركية من الثورات العربية، تبعاً لاختلاف المصالح السياسية والروابط الاقتصادية والتقديرات الأمنية، فاختلف موقفها في كل حالة على حدة، فتماثل موقفها من ثورتي مصر وتونس إلى حد كبير عن بقية الثورات العربية الأخرى. ومنذ الثورة المصرية في 25 يناير، أخذت "تركيا" موقف الداعم المباشر والصريح لها، وراهنت على نجاحها، وخاطرت بعلاقاتها مع نظام مبارك الأسبق. واتضح ذلك من خلال قيام رئيس الوزراء التركي بعد 6 أيام من تفجر ثورة 25 يناير، بدعوة "مبارك" للتخلي عن الحكم، وحينما نجحت الثورة أيضاً، كان من أول المساندين لها، فقام بزيارة "مصر" بعد الثورة مباشرة، والتقى برئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كما التقى بعدد من شباب القوى والائتلافات الثورية وممثلين عن الأحزاب المصرية. وبالتالي حرصت أنقرة بعد ثورة يناير على تقديم الدعم الاقتصادي لمصر، من خلال المنح والقروض المقدمة بشروط سهلة وبدون ضمانات إعاقية. من ناحية أخرى، وتعمقاً في حلقات العلاقات التركية مع العالم العربي في الفترة الأخيرة، قطعت تركيا علاقاتها مع سوريا بعد قمع حليفها السابق الرئيس السوري بشار الأسد للمعارضة الشعبية لحكمه في بداية النزاع في 2011، كما تشهد علاقاتها بالعراق توتراً مستمراً بعد رفضها تسليم طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي الذي أُدين في بلاده بالوقوف وراء مجموعات قاتلة. وفي النهاية، يلاحظ الجميع من خلال متابعة الموقف التركي حيال دول "الربيع العربي"، بأنها تسعى إلى إعادة صياغة المقاربات التركية القائمة على القوة الناعمة، مستغلة حالة السيولة والسعي نحو الديمقراطية التي تشهدها العديد من الدول العربية. وكل هذا يأتي في إطار مصالحها الخاصة في المنطقة العربية، والتي تعتبر العامل الوحيد والمحدد الأساسي لتوجهاتها الخارجية، فهي تهدف بالأساس إلى زيادة نفوذها ومصالحها السياسية والاقتصادية. استثناء مهم لكن على الرغم من الانتقادات الحادة الصادرة عن المسئولين الأتراك لتدخل الجيش المصري، فإنهم أكدوا أنهم لن يقطعوا العلاقات مع القيادة الجديدة التي تتشكل في مصر بعد الإطاحة بمحمد مرسي. وهذا ما أكده رئيس لجنة الشباب في المجلس المصري التركي، قائلاً: "إن علاقات البلدين لن تتأثر بسقوط نظام الإخوان في مصر، بل على العكس من المتوقع أن يزداد حجم التبادل التجارى والاقتصادى بين البلدين في الفترة المقبلة". ومن الجدير بالذكر، أن المصالح المصرية التركية تلتقي انطلاقاً من محور الاستقرار والأمن والسلام في المناطق المحيطة بهما، الأمر الذي يجعل التعاون المصري التركى يكتسب أهمية خاصة فى منطقة الشرق الأوسط. ولعل من أهم أسباب قوة هذه العلاقات، أن مصر سوق اقتصادي كبير تجذب الجميع لها ومن مصلحة تركيا أن تحافظ على علاقاتها بمصر، فضلا عن المميزات النسبية العالية التي تتمتع بها مصر باعتبارها دولة كبيرة ومستهلكة وهذا يمثل ضغطاً على معظم دول العالم التي تبحث دائماً عن المصلحة العامة، وتحاول دائماً كسب مصر كدولة صديقة، وإلى جانب ذلك هناك روابط ثقافية ودينية تاريخية وعظيمه بين البلدين. ولذلك من المتوقع عودة العلاقات بين مصر وتركيا إلى طبيعتها، واعتبار رفض الثانية لما حدث مجرد تعبير عن وجهة نظرها وتسجيل دولي لرفضها الانقلاب العسكري داخل أية دولة، ويتبين ذلك من خلال تصريحات عدد من مسئولي تركيا المؤكدة على استمرار التعاون مع السلطة الجديدة الحاكمة في مصر وتوطيد العلاقات معها.