لو تأملنا تاريخ مصر الحديث لوجدنا أن ما حدث سابقاً يماثل ما يحدث الآن وكأن التاريخ يعيد نفسه بأشخاص مختلفين .. فبالرغم من مرور اكثر من 60 عاماً على ثورة 23 يوليو 1952 ، فما زال السياسيون يختلفون عليها حتى الآن ، هل كانت انقلاباً عسكريا أم ثورة شعب؟! .. ويسجل التاريخ أيضاً بعد هذه السنوات الطوال وقوع أنقلاب آخر فى 30 يونيو 2013 ولكنه كان انقلاباً مدنياً بحماية عسكريه ومن ثم اعطى شرعية لعزل الرئيس المدنى " المنتخب " .. الأخوان المسلمون يدركون أن البيان الذى عزل بموجبه الفريق السيسي الرئيس مرسي مثل الرصاصة التى خرجت من البندقية ولا يمكن أن ترجع إليها مرة أخرى ، بل يمكن أن تعقبها رصاصات غيرها .. وبالتالى فإن عوده الرئيس مرسي إلى كرسي الرئاسة أمر غير وارد نهائياً .. لكن المشكلة التي لايريد ان يفهمها الاخوان أن الجيش والشعب لن يقبلا ابدا بالهزيمة .. فعودة الرئيس للقصر الرئاسي تعنى هزيمة مدوية للجيش المصرى الوطنى القوى الذراع الحديدية للأمة العربية والذى لم يتحرك إلا بعد أن أستنجد به 22مليون مصري ، فكان بمثابه تفويض شعبي كاسح ،ولو اراد الجيش الانقلاب لفعلها بعيدا عن الجماهير ولما حدث هذا التاييد الكاسح له والفرحه الغامره بين مختلف اطياف المصريين. لن يقبل السيسي أن تنهزم المؤسسة العسكرية تحت أى ظرف .. فالجيش ليس ميليشيات مثل حزب الله ، ولكنه قوات نظامية تدافع عن الأمن القومى المصرى وليس عن المصالح الضيقة .. وفى نفس الوقت لن يقبل الأخوان أن يتجرعوا كأس السم بعد أن نجحوا فى تحقيق أكبر أنتصار فى تاريخهم البالغ 85 عاماً وهو دخول مرشحهم قصر الرئاسة .. "الجماعة "لا تريد أن تشرب كأس السم بمفردها ، فهزيمة بهذا الحجم ستشجع الجميع على فتح دفاتر الماضى القريب عندما قالت الجماعة أنها لن تخوض انتخابات الرئاسة ، ولكنها كانت تدبر أمرها عن طريق بعث رسالة طمأنينة للداخل والخارج .. الأيام القادمة ستكشف بالوثائق والتسجيلات عن تورط الاخوان فى أقتحام السجون وخطف الجنود السبعة قبل شهرين ومساواه مرسي للخاطفين والمخطوفين ، وطلبه من الجيش عدم سفك الدماء ! مع إنهم يسفكونها الآن ..سيكشف أيضاً عن قتلهم 17 جندياً من حرس الحدود فى رمضان 2012 مع شركائهم الجهاديين وكذلك أقتحام السجون وأطلاق البلطجية فى الشوارع فى يناير 2011 وقتلهم الثوار فى ميدان التحرير وهو ما حاولوا إلصاقه لنظام مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى .. والحقيقة أن كاس السم إذا ما تجرعها الأخوان فإنها لن تكون بأيدى حركة تمرد التى يحميها الشعب ، ولكن نتيجة لأخطائها فى كثير من القرارات والتصريحات الأستفزازيه .. العالم كله فى أول حكم د.مرسي نصحه بأن يركز على الأمن والأقتصاد والمُصالحة الوطنية ثم يُصفى حساباته مع الفلول بعد ذلك .. قال لا التطهير أولاً !! وللأسف لا عَرف يطهر ولا سَلم من التطهير .. وضاعت فرصة الأخوان الذهبية بسبب غباء مكتب الإرشاد والمرشد ومجموعة المستشاريين التى نصحت الرئيس السابق بعدم الأستماع لأحد .. والآن ما الفارق بين السيسي والأخوان ؟ الأول لن يتجرع كاس السم لأن هذا يمثل نهاية أقوى مؤسسة فى مصر ، و"الجماعة" إذا ما رفضوا تجرع كاس السم بأعتباره " ترياقاً " يحميهم من مخاطر أكبر ، فأنهم سيغامرون بمصيرهم ومصير مصر وقد تدخل البلاد حرباً أهلية سيكونون هم الخاسرون فيها .. خبرة إرهاب لا اقتصاد الأخوان المسلمون سيرفضون كل دعاوى المصالحة ومن ناحيةأخرى لن يتجرعوا كأس السم فماذا سيفعلون ؟! تصورى أنهم سيعودون لمرحلة العمل تحت الأرض كما حدث فى الثمانينات والتسعينات وسيشكلون جناحاً عسكرياً يقوم بهجمات إرهابية لمواجهة النظام الجديد كما حدث مع مبارك .. المرشد محمد بديع قال فى رابعة العدوية مخاطباً أنصاره " عودة الرئيس دونها دماؤنا " محرضاً للأخوان على مواجهة الجيش وقتل جنوده .. وقد أثبتت أحداث الحرس الجمهورى أن الأخوان أكثر خبرة فى الأرهاب منهم فى الأقتصاد .. تصريحات قادتهم منذ أندلاع الأزمة هى سنقتل وندمر ونحرق ونشن عمليات أنتحارية ونفجر أحزمة ناسفة .. وهذا ما يجيدونه متصورين أنهم يسعون للشهادة ..الأخوان لن يقبلوا أن يكونوا فى المعارضة ، ولن يقبلوا أن يصعدوا السلم من جديد ، أو يشربوا السم بأعتباره "ترياقاً" يقويهم.. ولا هم مقتنعون بأن فشلهم فى حل الأزمات الأقتصادية والأختناقات الحياتية هو السبب الأساسي وراء الثورة الشعبية ضدهم .. المصريون الآن فى حاجة لتعويض ما فاتهم فى " سنة عجاف " مع الأخوان .. والخيار الوحيد المطروح الآن أمام الجيش والأخوان والرئيس المؤقت مُصالحة وطنية ونظام ديموقراطى مدنى يتسع للجميع .. وفى نهاية المطاف وبعد أن تهدأ النفوس ويتأكد غالبية الناس من حفظ حقوق الجميع ، فإن الذى يحدد درجة رضا الشعب أو درجة سخطه بعد إستتباب الأمن هو تطلعه إلى مستقبله المعيشى .. أما الشعارات ومهما كانت درجة جاذبيتها وأياً كان الكساء الذى أكتست به ، فأنها لا تسمن ولا تغنى من جوع إذا لم ينجح من يرفعها فى تحقيق فوائد أقتصادية ملموسه .. ويخطئ من يتوهم أن الذى أدى إلى نجاح حكم إسلامي فى تركيا يعود إلى "فهلوة" سياسية ، أو إلى الشعارات الإسلامية المحببة إلى النفوس التى لا تختلف معها غالبية الشعب التركى ، فمن شبه المتفق عليه بين المراقبين السياسين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين فأن نجاح حكم حزب تركى ذى صفة إسلامية ، يعود فى الدرجة الأولى إلى نجاحة فى رفع نسبة نمو أقتصاد تركيا وتناقص نسبة البطالة وتوفير فرص أكثر ، وتطلع عامة الناس إلى مستوى معيشة أفضل لهم ولأبنائهم وأحفادهم .. لقد كان الرئيس السابق محمد مرسي يردد دائماً أنه يسهل عليه شرب السم على أن يتعاون مع المعارضة الفاسدة وفلول النظام السابق .. لهذا فأن الأنتفاضة الكبرى ضده فى الشوارع رغم قصر فترة حكمه تعكس رفضاً لسياسته الأقتصادية ، وليست لها أى علاقة بمؤامرة أو نظام سابق أو فلول .. والواقع أن المُصالحه الوطنية بين الأخوان والجيش والمعارضة والأحزاب صارت مطلباً وطنياً لا غنى عنه فى المرحلة الأنتقالية التى سيبنى فيها الجميع مصر ، بدون تكفير أو تخوين أو إتهامات بلا دليل ، ولكن ايضا بدون غض النظر عن الجرائم التي تمت والمذابح التي راح ضحيتها جنودنا البواسل.. إن المصريين من أكثر شعوب العالم تديناً ، ولكنهم فى الوقت ذاته أكثر شعوب العالم تسامحاً .. أن العمل السياسي المشروع لا يلغى وجود الأخر ، لكن عليه أن يفرمل إطلاق العنان لهيجان المشاعر .. إن الشرعية تظل مقبولة ومطلوبة ما لم تخرج عن قواعد التداول السلمي للسلطة ، لكن لو أتخذ فصيلٍ الشرعية سلماً يصعد عليه ثم يكسره حتي لا يصعد عليه غيره ، فأننا فى هذه الحالة نصبح أسرى للفاشية ! لقد كان أول قانون يصدره مجلس النواب الأخوانى هو العزل السياسي بحيث يحرم كل من كان عضواً بالحزب الوطنى من ممارسة العمل السياسي إلا بعد عشرة أعوام وهذه غلطة كبرى لا نريد أن يمارسها القائمون على المرحلة الأنتقالية والرئيس المؤقت والفريق السيسي .. إخوان آخرون المطلوب من الأخوان الآن أن ينتبهوا إلى المستقبل ويقبلوا بالتصالح والدخول فى نسيج المجتمع مرة أخرى .. نريد "إخواناً " أخرين غير الذين نراهم فى الفضائيات والميادين يحرضون ويدمرون ويقتلون ويلقون الأطفال من فوق أسطح العمارات .. نريد "إخواناً " بفكرٍ مختلف عن قياداتهم المهيجة للشارع والداعية إلى الأستشهاد.. لقد أختار الأخوان رهاناً خاسراً لأنهم مقتنعون بأن الأقرار بفشل إدارة مرسي للدولة طوال عام ، واخطاء حزبهم - الحرية والعدالة – فى التعامل مع القوى الأخرى ودخول الجماعة فى صدام مع أجهزة ومؤسسات الدولة ،وسعيها إلى إقصاء الآخرين والتركيز على " الأخونه " من دون التنمية ، وخلق المشاكل وإلصاقها بنظام مبارك وتفجيرها بدلاً من حلها .. كل ذلك سيسئ إلى تاريخ الجماعة ويطيح بأى مستقبل لها ، ليس فى مصر فقط وإنما فى دول أخرى كان قاده التنظيم يعتقدون أنها ستحلق بمصر " حكماً وأخونه " ! . أن ما يفعله الأخوان الآن فى مصر بالترويج لنظرية الأنقلاب العسكري كرسالة إلى القوى الدولية والأقليمية لتضغط لإعادة مرسي لكرسيه ورسالة إلى الداخل أملاً فى أنشقاق جيش ليس به " أخوانى " واحد أو تحريك لعواطف المتدينيين الذين فقدوا أساساً أى تعاطف مع الجماعة ، إنما هو ستار لتغطية فشلهم فى الحكم والأقتصاد ، وأن خروجهم من الحكم ليس أخفاقاً وضغطاً جماهيرياً وإنما بمؤامرة أمنية وعسكرية ومخابراتيه أو بمساعدات من دول عربية أو بفعل فلول النظام السابق وسطوه الأعلام الخاص .. على الأخوان أن يغيروا جلدهم ويقدموا سياسات جديدة وحلولاً ناجحة للمشاكل وعدم التمسح فى الثورة المضاده ، لأنهم لم يكونوا أساساً ضمن ثورة يناير 2011 .. لوكان فى الأخوان عاقل لأنسحبوا من المشهد الآن ويتجرعوا الكأس الذى يعتبرونه سماً ، ولكنه مجرد هزيمة .. وفى السياسة الهزائم دائماً ما تكون حافزاً للأنتصارات .. ولكم فى الخمينى قائد الثورة الإيرانية القدوة والمثل عقب تفوق الجيش العراقى عليه نسبياً عام 1988 هنا طلب وقف إطلاق النار وقال " الآن اتجرع السم ، لأنقذ جنودى وشعبى "..