لا تستطيع الضمائر الحية، بلع المذبحة التي وقعت أمام "الحرس الجمهوري" فجر الاثنين 8/7/2013، لا تحدثونا عن "البلطجية" ولا عن "الإرهابيين".. فالمسميات غير محايدة وبالتأكيد فهي مضللة.. وأيا ما كان التصنيف فإن هذا لا يعفي الدولة من مسؤوليتها عن حماية مواطنيها، حتى لو كانوا "بلطجية".. وإلا باتت الأخيرة، تصريحا بالقتل لأي مواطن، بموجب ورقة ب"ثلاثة مليم" تُلقى على جثته، وتصفه بالإرهابي. أعرف أنه يمكننا اليوم أن نسأل ولكن لا يمكننا أن نتلقى "إجابة" إلا من تلك التي تصدر من ذات فوهات البنادق التي أطلقت الرصاص على المعتصمين المدنيين. أنا لا أدين الرصاص الطائش، الذي حصد عشرات "الخراف"، كما يصفونهم "المهذبون" من أدعياء "الإتيكيت الباريسي" و"الحداثة السياسة".. وإنما مصدوم، في القوى المدنية التي شاركت في صوغ رأي عام، تقبل التصفية الجسدية خارج القانون، طالما كان الضحايا من "الخصوم" السياسيين. من المعروف أن البيادات الخشنة، لا تنفذ القانون، وإنما تنفذ الأوامر، وصحيح أن هذه المفارقة، مفيدة عندما يحين الحساب، وفي قضية لا تسقط بالتقادم.. ولكن ما الذي حمل رسل "دولة القانون" على بيع تلك الدولة، على ناصية شارع الطيران، والرقص على دوي الرصاص، وتبادل كؤوس النصر "الرخيص"، مع "أمراء الدم" والتستر عليهم، بدفن الحقائق، في مقابر الاستئصاليين ممن امتطوا الموجة الثالثة من الثورة؟! ما حدث لا يمكن وصفه إلا أنه قتل على "الهوية السياسية".. ولا يبعد كثيرا عن التصفية على "الهوية الدينية".. فإذا كانت الأخيرة، كما يقول الذين يتعاطون السياسة ب"الشوكة والسكينة".. طائفية بغيضة، وهي فعلا كذلك.. فماذا يسمون استرخاص دم جماعة من المصريين، لأنهم فقط على خلاف سياسي، مع المؤيدين للقوة الجديدة، التي ورثت قصور السلطة، من بعدهم؟! إنها في الأولى والثانية "جرائم قتل".. ولا يمكن بحال أن تكون الجرائم "وجهة نظر" أو "حرية رأي".. أو "فضيلة" يتباهى بها شهداء الزور على الفضائيات الاستئصالية. مصر تعاقب علي حكمها "الشامي" و"المغربي".. وظل الكرسي أرخص بكثير من أية قطرة دم مصرية، محضة، كان فقط أغلى من دم الحكام والأمراء الأجانب.. وظل الدم المصري محتفظا بعفته أمام أية إغراءات إلا في حالات قليلة كانت استثناء لا أصلا.. ولذا كان ما حدث في شارع محمد محمود وماسبيرو وميدان العباسية، وأمام الحرس الجمهوري، من قبيل "تغريب" الصراع على السلطة في مصر.. هزمت فيها "الأخلاق" وانتصرت "الانتهازية".. ولكنها ستظل في أرشيف الذاكرة المصرية، وأضابير السلطات القضائية، إلى أن يختفي تدريجيا هذا الهوس المؤقت، ويستعيد المصريون هيبتهم الأخلاقية.. وعندها ستفتح الملفات، وتقول العدالة "المحررة" كلمتها.. غير أن عار توفير الغطاء الأخلاقي لتلك المجازر، سيظل يلاحق من شارك في صوغه، ما دامت السموات والأرض.