شهدت العلاقات بين مصر والإمارات توترًا واضحاً خلال فترة رئاسة محمد مرسي لمصر، على خلفية اتهامات إماراتية لجماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها مرسي، بالتدخل في شئون الإمارات، وهو الأمر الذي كانت تنفيه الجماعة على الدوام. وجاء دليلاً على هذا التوتر تلك التصريحات التي أدلى بها القيادي بجماعة الإخوان المسلمين عصام العريان، التي كان يمكنها تدمير العلاقات المصرية الإماراتية. ومعرض حديثنا عن العلاقات المصرية مع الإمارات في هذا الوقت وهذه المرحلة المفصلية لم يكن دون مبررات، على اعتبار أن ما حدث بمصر ليس بمعزل عما جرى بالإمارات، حيث عاش أنصار جماعة الإخوان المسلمين في الثانية حالة من الصدمة الشديدة بعد عزل الرئيس محمد مرسي من قبل الجيش. فبعد الإطاحة بنظام الإخوان في مصر تعرض أفراد تابعين للتنظيم الدولي في دول الخليج لصدمة شديدة لم يتوقعوا معها أن يتم عزل أنصارهم في مصر بهذه الطريقة، حيث إن سقوط حكم الجماعة في مصر أضاع بشكل نهائي حلم إخوان الخليج وطموحهم في الوصول للحكم في أيَّة دولة خليجية، ويرى مراقبون أن الإخوان يشعرون الآن أنهم تراجعوا عما أحرزوه عقب الربيع العربي بشكل كبير. ويرجع تاريخ العلاقات المصرية الإماراتية إلى ما قبل عام 1971 الذي شهد التئام شمل الإمارات السبع في دولة واحدة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، وتُعد مصر من بين أولى الدول التي اعترفت بالاتحاد الجديد فور إعلانه ودعمته دوليًا وإقليميًا كركيزة للأمن والاستقرار وإضافة قوة جديدة للعرب، وبالتالي دعمت مصر إنشاءها، وأيدت بشكل مطلق الاتحاد الذي قامت به دولة الإمارات. ارتياح شديد وفي أول ردة فعل عربية، بادرت دولة الإمارات العربية المتحدة بمباركة التحول السياسي الذي أعلن في مصر بعد الإعلان في بيان الجيش عن عزل الرئيس مرسي، وعبرت عن ارتياحها الشديد، وعلى لسان وزير خارجيتها الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان أعربت الإمارات عن ثقتها التامة بأن شعب مصر قادر على تجاوز اللحظات الصعبة الحالية التي تمر بها مصر. وأتبع وزير خارجية الإمارات في بيان أصدرته وزارة الخارجية الإماراتية عقب الإعلان عن عزل الرئيس السابق محمد مرسي: إن "جيش مصر العظيم يثبت من جديد أنه بالفعل سياج مصر وحاميها ودرعها القوي الذي يضمن لها بأن تظل دولة المؤسسات والقانون التي تحتضن كل مكونات الشعب المصري الشقيق". وأضاف الوزير الإماراتي أن "دولة الإمارات تتطلع على الدوام لتعزيز علاقاتها مع مصر الشقيقة حكومة وشعباً، والمضي بها قدماً إلى المزيد من التعاون الوثيق في مختلف الميادين، وبما يحقق المصلحة المشتركة للشعبين الشقيقين"، وقال البيان: "تتابع الامارات العربية المتحدة بارتياح تطورات الأوضاع في جمهورية مصر العربية الشقيقة انطلاقاً من العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين الشقيقين". ونقل البيان عن الوزير الإماراتي قوله: إن الإمارات على ثقة تامة بأن شعب مصر العظيم قادر على تجاوز اللحظات الصعبة الحالية التي تمر بها مصر الشقيقة، وأن ينطلق بها إلى مستقبل آمن وزاهر". وأضاف آل نهيان: إن تاريخ مصر العريق ومساهماتها الأساسية في الحضارة الإنسانية ودورها المحوري على الصعيدين العربي والإسلامي،كان كفيلاً بأن يوفر لشعبها ركيزة قوية لبناء مستقبل مزدهر يقودها إلى ما يتطلع إليه شعبها الشقيق من تقدم واستقرار. ونشر الوزير الإماراتي تغريدة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قال فيها: "مبروك يا أم الدنيا". توتر مكتوم وعلى العكس من هذه الحميمية، شهدت الأشهر الماضية توتراً مكتوماً في العلاقات بين مصر والإمارات، حيث استضافت الأخيرة أحمد شفيق الذي قدمت ضده بلاغات تتهمه بالفساد بعدما خسر الانتخابات الرئاسية. وكانت السلطات الإماراتية قد اعتقلت عدة مصريين يعملون في الإمارات، وينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، كما دأب قائد شرطة دبي ضاحي خلفان على توجيه انتقادات حادة لجماعة الإخوان التي ينتمي لها الرئيس الحالي محمد مرسي، وذلك في تدوينات متتالية عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". وعلى الجانب الآخر، كان عصام العريان القيادي بجماعة الإخوان المسلمين قد أطلق تصريحات دافع فيها عن الخلية الإخوانية المصرية التي فككتها الإمارات، وقال العريان :"إن صبر المصريين نفذ وأن سلوكهم ( يقصد الإماراتيين) مشين، ويجب أن يصل إليهم أن مصر لن تتوجع؛ لأنهم صمدوا (60) عاماً بلا توجع". ووصل الأمر بالعريان إلى القول: إن "إيران النووية قادمة، وأن تسونامي قادم من إيران وليس من مصر، والفرس قادمون، وهتصبحوا عبيد عند الفرس"، في إشارة منه إلى عموم الإماراتيين. ميزان العلاقات وعند الحديث عن حجم العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، يمكن القول: إنه رغم سوء هذه العلاقات على المستوى السياسي، وبالأخص فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي، ترتبط مصر والإمارات بعلاقات اقتصادية وثقافية وإعلامية ممتازة، وخصوصاً على صعيد ميزان العلاقات التجارية والاستثمارية المتبادلة التي شهدت نمواً متزايداً عاماً بعد عام، على ضوء وجود 18 اتفاقية مشتركة تنظم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والإمارات 1.4 مليار دولار في عام 2008 مقابل (826) مليون دولار في 2007، وبزيادة قدرها (69.8)، حيث سجلت قيمة الصادرات المصرية منها نحو (503) ملايين دولار مقابل صادرات إماراتية إلى مصر بقيمة (900) مليون دولار. وتحتل السلع تامة الصنع نسبة تزيد على (57%) من إجمالي الصادرات المصرية للإمارات، وتشمل قطاعات البطاقات الذكية ومنتجات النحاس والكابلات الكهربائية والأثاث وصناعات الحديد المدرفل والملابس والرخام. وقد ارتفع عدد الشركات الإماراتية في مصر من (114) شركة عام 2000 إلى (460) شركة حالياً، وشاركت دولة الإمارات العربية في رأس المال المصدر ل (456) شركة في مصر بما قيمته نحو (45.1) مليار جنيه مصري، وذلك منذ عام 1970 وحتى يونيو 2009، وتشمل أهم المشروعات الاستثمارية التطوير العقاري ومشروعات اكتشافات البترول والغاز، فضلاً عن قطاع السياحة والصناعات الكيماوية والغذائية والتعدين. وبلغ أيضًا حجم الاستثمارات الاماراتية في مصر (10) مليارات دولار عام 2010، منها مليارا دولار في قطاع الزراعة والباقي في قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والعقارات والخدمات المصرفية. وبالتالي تعود الزيادة في حجم التجارة بين البلدين إلى ارتفاع قيمة الواردات من الذهب والبولي إثيلين والألمونيوم والأقمشة المنسوجة، وزيادة الصادرات من المازوت والنحاس والفاكهة. كما بلغ إجمالي المنح والقروض التي قدمتها حكومة أبو ظبي لمصر ما يعادل (250) مليون دولار حتى شهر يونيو 2007، وقدم صندوق أبو ظبي للتنمية منحاً وقروضاً إلى مصر تبلغ قيمتها (325) مليون دولار، ساهمت في تمويل عدد من المشروعات، من أبرزها امتداد ترعة الحمام ومساكن الفلاحين بالخطارة ودراسة جدوى اقتصادية لمشروع النقرة الزراعي، بينما ساهمت القروض التي بلغت قيمتها (236) مليون دولار في تمويل مشروعات فندق عمر الخيام وكهرباء أبو قير، وتطوير قناة السويس، واستصلاح الأراضي بغرب النوبارية، والصندوق الاجتماعي للتنمية، وسماد طلخا. مسار واحد وبعد العرض السابق، يمكن وصف ما مرت به العلاقات بين البلدين ب"سحابة الصيف" التي ستنقشع قريباً، لذا، لا يمكن الحديث في هذا الإطار إلا على مسار واحد، وهو زيادة دفء العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة، خاصة وأن التعاون بين مصر والإمارات ممتد وعريق. وبالتالي كان ولا يزال من أهم ما يميز العلاقات السياسية بين البلدين، قدرتها على إرساء جذور الصداقة والأخوة القائمة بينهما وتطويرها في إطار تحكمه عدة أهداف مشتركة، أهمها التضامن والعمل العربي المشترك، والعمل في المحافل الدولية على نبذ العنف وحل الخلافات بالطرق السلمية والدبلوماسية. ولكن بغض النظر عن هذه التوازنات في العلاقات المصرية، فينبغي العمل على التحرك المصري السريع والمتوازن على النطاق العربي، باعتباره مطلباً أساسياً لأمن مصر القومي في العديد من الملفات، والعمل على استعادة الدور المصري في المنطقة التي أشارت معظم الاتجاهات إلى تراجعه في المراحل الأخيرة.