وفقًا لما هو مقرر، فإن شعب مصر، في مختلف المحافظات، يقول رسالة واضحة اليوم، رسالة للتاريخ مفادها أنه لا حكم للإخوان ومن يمثلهم، وأن على أول رئيس منتخب بعد 25 يناير أن يترك موقعه وتتم الدعوة لانتخابات رئاسية جديدة. وفي الأيام الماضية ترددت كثيرا مقولة للرد على تلك المظاهرات ،ودحضها، قبل أن تبدأ .. أهمها على الإطلاق تلك التي تقول: «هكذا لن يبقى رئيس لمصر في موقعه، وكلما غضب الناس من رئيس سوف يتظاهرون ضده ويخرجون عليه ويطالبونه بأن يترك موقعه ، وينتهي أي أمل في أي استقرار». تكتسب هذه المقولة أهميتها، مقارنة بكل ما تم نثره من ردود وحجج ضد مظاهرات 30 يونيو، متراوحة بين الترغيب والترهيب.. تكتسب أهميتها لأنها وردت مباشرة على لسان الرئيس الذي يطلب الشعب سحب الثقة منه، كما جاء علي لسانة في خطاب يوم الأربعاء الماضي .. حتى لو كان قد قالها بسخرية وتهكم واستخفاف إلا أنها «منطق» له «بناء» لابد من التعليق عليه والإجابة عن السؤال: هل لن يعيش لمصر رئيس فيما بعد مرسي؟ تكمن المشكلة الرئيسة لدى جماعة الإخوان، ومن يمثلها في منصب الرئيس ، في تصورهم للمنصب ومن يشغله، وفي استيعابهم لمعنى الديموقراطية ودورها . ذلك أنهم يظنون أن التصويت من أجل انتخاب رئيس هو الغاية وليس البداية، وأن الصندوق كلمة الختام، تنتهي بعدها أي مطالبات أو استحقاقات.. ولذا ليس غريبا أن الحملة الانتخابية للرئيس الحالي قد عمرت بمئات من الوعود والتعهدات التي لم يتحقق منها أي شيء.. فالقناعة التي تحكمهم هي أن الرئيس يدخل القصر ثم ينتهي الأمر بعد ذلك. من المؤسف أن نكون مضطرين للحديث في البديهيات، وتكرار حقائق وقواعد اللعبة، التي تنص على أنه لا انتخابات دون محاسبة، وأن الديموقراطية لا تقود إلى الأبدية، وأن الناس تذهب إلى الصناديق لكي تقول رأيها وتضمن تنفيذ رغبتها.. وأن أصحاب الأصوات هم الذين يملكون القرار بإتمام عملية الانتخاب وبإراداتهم .. فإذا ما ثبت أن تلك العملية لم تحقق ما أرادته الصناديق كان أن ظهرت الإرادة الأقوى والأشمل التي تفوق في حسمها كلمة الصناديق. ذهب الناخبون إلى الصناديق اختيارا للاستقرار، وليس لأنهم استملحوا المرشح مرسي فاختاروه رئيسا، وإنما لأنه عرض عليهم مجموعة من البنود التي تعهد بتنفيذها.. وبالتالي فإن اختيارهم له لا يعني أنه حصل على (شيك على بياض) أو تفويض حتى آخر العمر.. خصوصا أنه فاز بأغلبية هشة وفوق ذلك مطعون عليها..وحين قرر المصريون هدم اللعبة وإعادتها من جديد فإنهم ضحوا بالاستقرار لأنهم وجدوا أن ما بعد ذلك هو أخطر بكثير من التبكير بما قد اتجهوا إليه. إن القاعدة المعروفة،والتي يطبقها المصريون مبكرا للغاية، سوف تكون قيدا على أي رئيس جديد.. بحيث يستوعب أن ضمان الاستقرار يتعلق بالتزامه بالتعاقد مع الناخبين ..المسؤولية الأولى في ذلك تقع عليه لا على الناخبين .. بل إن ذهاب الناخبين الآن للشارع إنما يعود لعدم ثقتهم في ضمان الاستقرار الذي يريدونه في وجود هذا الرئيس الذي يقول إنهم يختارونه. إن خروج المصريين اليوم يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن نتيجة الانتخابات الرئاسية لم تكن معبرة عن توجهات المصريين الحقيقية، وما يراه الجميع الآن يثبت بلا شك أن الرئيس خالف رغبة المجتمع.. بغض النظر عن قبوله للرغبة المعبر عنها من خلال توقيعات «تمرد» ال «22» مليونا. ومن ثم فإن ضمانة الاستقرار الأهم فيما بعد هي ألا تتعرض الانتخابات لعملية تزوير فادح كما جرى.. كما أن التزام الرئيس بتعهداته وتلبية طموح ناخبيه ومن لم يصوتوا له هو الشرط الأهم لضمان الاستقرار. لا لوم على المواطنين، ولا يجب انتقادهم حين يقرر شعب بطبيعته يميل إلى الاستقرار والهدوء أن يختار الخروج للشارع، هذا ليس عيب الشعب بجموعه ، وليس عيب المواطن بمفردة ، وإنما يضع المسؤولية على الرئيس لأنه لم يوف بتعهداته.. ويضع على كاهل أي رئيس مسؤولية الالتزام بما أعلن وضمانة أن يصل إلى موقعه عبر طريق سليم وقانوني وبلا أي شكوك. إن أي رئيس تحيط به الشكوك، انتخابا وسمعة وتصرفا، مثل ما هو عليه حال محمد مرسي يجب أن يتحمل جريرة ذلك .. فالمصري ، أو أي ناخب عاقل في أي دولة، لا يمكن أن يفاضل بين الاستقرار والتزوير .. أو بين الاستقرار وقبول اتهامات للرئيس بخيانة الدولة والتعاون مع أجانب.. أو بين الاستقرار والرضا بالفشل في الخدمات والاقتصاد والعلاقات . ما هي قيمة الاستقرار إذا كان الأمن القومي يتعرض لانتهاك يومي، وما هي قيمة الاستقرار إذا كانت حرية التعبير مهددة، وما هي أهمية الاستقرار إذا كان الحق في الحياة يتعرض لتهديد يومي من الرئيس وحلفائه.. وبالتالي فإنه إذا جاء رئيس بنفس المواصفات سيكون هذا هو رد فعل الشعب بمنتهى البساطة ،لأن وجوده نفسه هو أكبر خطر على بقاء الدولة والشعب.. وليس فقط استقرار المجتمع. فيما بعد، وإذا ما استوعب أي رئيس قيمة وأهمية ما حدث في مصر يوم 30 يونيو ، سوف يتمتع البلد بالاستقرار ، ونظام حكم ثابت ، له قواعد محددة وقبل ذلك عادلة.. والقيمة الكامنة في كل ما يجري هي أنه لا يمكن أن تبدل في طبيعة مجتمع.. ولا يمكن أن تغير هويته.. ولا يمكن أن تقوده إلى المجهول .. ولا يمكن أن تجبر الشعب على الرضوخ لأنصارك، الذين خرجوا من السجون بناء على قرار عفو صدر منك.. لأنك أصبحت رئيسا بموجب أصوات المصريين. لم يمنحوك أصواتهم لكي تطلق عليهم الإرهابيين. إن الشعوب تختار حكامها لكي يحققوا لها مطالبها، وينفذوا تعهداتهم، وليس من أجل أن يعني بقاؤهم في مواقعهم استمرار استقرار لا معنى له ولا فائدة منه.بالتأكيد لن يبقى أي رئيس مماثل في موقعه.. ما هي فائدة بقائه لو كان يدمر البلد ؟ إن الشعوب تختار الحكام لكي يقيموا مقومات الاستقرار وليس علي الشعوب ان تختار حكاما ثم تضمن لهم من جانبها إستقرارهم الشخصي!